فضيلة «الشيخ توني»! 1-2
نشرت شبكة «سي إن إن» الأمريكية أخيرا مقالة لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، حدد فيها رؤيته للحرب على ما أسماه «التطرف الإسلامي» داعيا في الوقت نفسه قادة العالم «للتحرك بشكل شامل واستراتيجي وعاجل».
بلير، الخارج من السلطة المباشرة، يدير مركزا «دراسيا» اسمه مركز الأديان والجيوسياسة، ولم يكد يغب اسمه عن ساحة الأخبار، حتى بعد مغادرته 10 داوننغ ستريت، في قلب لندن، وهو يطل بين حين وآخر بإطلالات لا تختلف كثيرا عن إطلالاته إبان مشاركته بوش الابن، في معركة غزو واحتلال العراق، بناء على أكاذيب وذرائع ثبت سخفها، وتسببت بتفكيك وخراب الدولة العراقية، اليوم توني بلير يخوض مع الخائضين في معركة ما يسمونه «التطرف الإسلامي» باعتبار أن التطرف هو «إسلامي» فقط، ولا يلقي أحد بالا لا للتطرف اليهودي ولا للتطرف المسيحي ولا البوذي بالطبع، ولا للتطرف اللاديني، فالتطرف إسلامي فقط، وتلك قصة أخرى، تحتاج لوقفات مطولة، ليس هنا وقتها ولا مساحتها!
بلير يعتقد أنه يؤدي دورا بارزا في الحرب على ما يسمونه «الإرهاب» في المنطقة العربية، حيث يعد مستشارا لعدد من زعماء المنطقة، ويضع نفسه من خلال مركز الأديان والجيوسياسة التابع له في واجهة ما يسمى الحرب على التطرف الإسلامي. ويقدم رؤيته في هذه الحرب المفترضة، فيقول أنه «لإلحاق الهزيمة بالتطرف الإسلامي علينا الوصول إلى توافق مع رؤية واضحة حول أسباب هذا الخطر العالمي» وهنا لب المسألة، حيث يتحدث بلير عن «منابع الفكر الإسلامي المتشدد»، حيث يقول إن «تنظيمات مثل داعش والقاعدة ليست إلا الوليد الجديد لسلالة قديمة من الأفكار الشمولية الخطيرة، التي ترفض وتعادي كل المفاهيم العالمية والقيم الفردية لصالح فرض وجهة نظر أحادية وعنيفة. هذه التنظيمات تغذيها أيديولوجيات سياسية عابرة للحدود وإيمان عميق بالجهاد العنيف، من أجل استعادة رؤيتها المفترضة لما كان عليه الإسلام في القرن السابع للميلاد».
ويمضي بلير في تشخيصه لما يراه «التطرف الإسلامي» بأنه «ينبع من مسلمات دينية من وجهة نظرهم، تمنح أتباعهم الإحساس بأنهم «أفضل المؤمنين» وتبرر العنف ضد «الآخرين». وتقوم نظرية بلير على أن المشكلة تكمن في الأفكار التي تتبناها التنظيمات المتطرفة والنابعة من فهمهم للإسلام، أما الأسباب الأخرى مثل التفرقة العرقية والفقر والتدخلات العسكرية للحكومات الأجنبية وانتهاكات حقوق الإنسان، فهي أسباب ثانوية كما يعتقد بلير(!) ويرتدي بلير «عمامة» عالم الدين، فيسمح لنفسه بأن يفتي ويجتهد فيهرف بما لا يعرف، أو الأصح أنه يعرف ويحرف، فيقول، محاولا وضع خطوط فاصلة بين ما يراه الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف، أن الإسلام المعتدل هو الإسلام الذي يفصل بين الدين والدولة، ويضيف «علينا أن نصل إلى مرحلة نقبل فيها بأن المواقف المنحازة ضد اليهود والأقليات والمرأة وكل من لا يقبل بالعقائد المتشددة، هي بحد ذاتها جوهر المشكلة وعلينا معالجتها». ثم يكشف أخيرا عن «سره العميق» الذي لم يعد سرا، فيقول في معرض تحديده لمفهوم «التطرف الإسلامي»، دون مواربة أن هناك مشكلة لدى المسلمين بشكل عام وليس لدى «التنظيمات المتشددة».يقول بلير: هناك ممارسات أخرى موجودة في شرائح أوسع من المجتمعات الإسلامية تشكل مشكلة حقيقة. ويضيف: مثلا، هناك الكثير من الإحصائيات التي لا تزال تعكس وجود حالة معادية لليهود في بعض الدول ذات الغالبية الإسلامية.
صاحب «الفضيلة» الشيخ توني، لا يختلف كثيرا عن غيره، من عرب وعجم، يعتقدون أن المشكلة في الإسلام، وليس في المسلمين، البعض يصرح، والآخر يلمح، ولكن الكل مجتمع، على أنه يجب تغيير الدين، لا أتباعه، كي يستمر المسلمون، بوصفهم كتلة هامدة، مستهلكة لما ينتجه الآخرون من نفايات الحضارة والمدنية، ولنا عودة، إن شاء الله!