jo24_banner
jo24_banner

مصر على المفترق

عريب الرنتاوي
جو 24 :

تمر ثورة يناير في مصر، بواحدة من أخطر لحظاتها..لحظة لا تتهدد الثورة ومكتسباها فحسب، بل وتهدد وحدة المجتمع المصري وسلامته، وتنذر ربما بمواجهات صعبة، يأمل الجميع أن تظل في حدودها السلمية، وألا تتطور لإراقة الدماء.

حالة الفرز والاستقطاب وفقدان الثقة التام بين “قوى الثورة”، تجعل من الصعب على مختلف الأطراف الوصول إلى “تسوية” أو بلوغ أي مخرج...فجوة الثقة بين الإسلاميين من جهة، وخصومهم من الليبراليين واليساريين والقوميين والناصرين من جهة ثانية، تحول دون نجاح الوساطات والمساعي الحميدة، خصوصاً تلك التي يبذلها “الأزهر” بالتعاون مع شخصيات ومؤسسات وطنية وازنة.

“الإخوان” على عجلة من أمرهم..أنهم يريدون الاستحواذ على مفاصل السلطة والدولة..يريدون إعادة صياغة النظام السياسي والدستوري في مصر، على صورتهم وشاكلتهم..لديهم مع شركائهم، أغلبية وازنة في المؤسسات التي حصنها الإعلان الدستوري: الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، أعادوا بناء جهاز الشرطة على قاعدة الولاء..فشلوا في صياغة دستور توافقي، وهم ماضون إلى “الاستفتاء” عليه، برغم مقاطعة “غالبية” القضاة المصريين.

دخلوا في معارك مع الإعلام والمحكمة الدستورية والقضاء، استثاروا غضب مختلف القوى المدنية والسياسية، استبعدوا كنائس مصر الثلاث..ومع ذلك لا يبدو أن ثمة قوة قادرة على وقف ما يوصف هنا في القاهرة، بمسعى “أخونة” الدولة والسلطة، وخلق آليات سياسية ودستورية، تكفل إدامة حكمهم، بالضد مما تقوله قوى وأطراف مؤثرة ووازنة في المجتمع المصري.

لكن مهمة “الإخوان” لن تكون سهلة من وجهة نظر “العارفين ببواطن الأمور”، وطريقهم لأخونة الدولة والمجتمع لن تكون معبدة في حال من الأحوال..فمصر لديها جيش وطني محترف، وأجهزة أمنية محترفة، لطالما أغلقت أبوابها في وجه الإخوان والقوى “العقائدية” الأخرى..ومصر لديها مؤسسات دولة قوية، وجهاز بيروقراطي مدني، متمرس، كان له الفضل في حفظ مصر زمن الثورة والانتقال السياسي، ولا أحسب أن الإخوان سيكون بمقدورهم “اختراق” هذه المؤسسات و”أخونتها”، ونجاحهم في إنجاز مهمة كهذه، سيحتاج إلى “صولات” و”جولات”، مريرة ومديدة.

لقد نجح الإخوان في “توحيد” جبهة عريضة ضد شهيتهم المفتوحة للسلطة..ووقعت مليونيات المعارضة كالخبر المفاجئ، إن لم نقل الصاعق، على مراكز صنع القرار الإخواني..أربك حساباتها وأجندتها..الاغلبية الصامتة و”حزب الكنبة” العريض في مصر، أخذا في مغادرة مقاعد “المتفرجين” والانتقال بأعداد كبيرة إلى الشوارع والميادين..وترتب على كل هذا وذاك، أن وجدت جماعة الإخوان نفسها بين خيارين أحلاهما مُرُّ: إما التراجع عن الإعلان الدستوري وتأجيل الاستفتاء على الدستور الجديد مع كل ما يعنيه ذلك من انهيار لصورتهم وهيبتهم ومكانتهم و”شعبيتهم”...أو الذهاب حتى نهاية الشوط في مشوار “الهيمنة” و”الاستئثار” و”التفرد”، مع كل ما يحمله مثل هذا “السيناريو”، من مخاطر ومجازفات.

وزاد “طين الإخوان” بلّة، إصرار خصومهم على عدم التهاون و”التهادن” مع خطوات الرئيس و”جماعته”، وربما كان لمثل هذا التطور، أثره الحاسم في زيادة إرتباك الإخوان وتقاقم حيرتهم..كما زاد في حيرتهم، “انقلاب” الرأي العام الدولي من الترحيب والثناء بمرسي ودوره في “تهدئة” غزة، إلى قلق وتحسب من “انقلاب” مرسي وجماعته على مسار التحول الديمقراطي.

الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، وكلما تورط الإخوان في “المكابرة” و”الاستكبار” كلما كان لذلك تداعيات مقلقة على مستقبل مصر وأمنها..وإذا ما أفضت الأزمة الراهنة إلى “إراقة دماء” فإن مصر والمصريين سيكونون على موعد جديد مع “28 يناير.
(الدستور )

تابعو الأردن 24 على google news