منجز معماري لمهندسة أردنية!
كلما قرأت عن إنجاز متميز للشباب الأردني، خالجتني مشاعر متناقضة، فأنا من جهة أشعر بفرح غامر، وفي الوقت نفسه أشعر بالحزن، الفرح مبرر هنا، لكن الحزن على مآل هذا المنجز، وما إذا سيتم استثماره لخير البلد وأهلها، وغالبا من نقرأ عن هذا الإنجاز أو ذاك، ثم لا نعود نسمع عنه، وأذكر أنني التقيت شابا أردنيا في غابر الأيام، حدثني عن اختراع مذهل، وهو تسيير السيارة بالماء، بدلا من البنزين، واذكر حينها أنه طبق تجربته على سيارة من اختراعه، إلا أنه لم يستطع أن يسير بها، بسبب رفض ترخيص مثل هذا النوع من السيارات، وعلمت فيما بعد أن الشاب باع اختراعه لإحدى شركات صناعة السيارات، والتي بدورها وضعت الاختراع في درج النسيان، لأن مثل هذا الاختراع يحظر عليه الخروج إلى العلن، والسبب بسيط فهو يهدد صناعة السيارات وصناعة النفط ايضا، وليس من مصلحة لا هؤلاء ولا أولئك حصول مقل هذا الأمر، وقل مثل هذا عن براءات اكتشاف أدوية لأمراض مزمنة، تسرع شركات صناعة الأجوية لشرائها بمبالغ باهظة، ليس لاستثمارها بل لدفنها، لديمومة بيع العلاجات باهظة الثمن، وديمومة دخول الملايين من الدولارات إلى حيتان هذه الصناعة!
المنجز الأردني الذي لفت نظري اليوم، وأرجو أن يجد ما يستحق من استثمار، اجترحته المهتدسة المعمارية الأردنية ميسون خريسات، حيث تمكنت من اجراء تعديلات على التشطيبات الخاصة بعمارة سكنية جاهزة في منطقة البنيات في عمّان بتحويلها الى مبنى نموذجي يستهلك طاقة على مدار العام بمعدل قريب من الصفر!
انجاز المهندسة خريسات أعلنت عنه في سياق محاضرة القتها ضمن فعاليات المؤتمر المعماري الخامس الذي تنظمه نقابة المهندسين الاردنيين أخيرا، والجميل في الموضوع، أن المهندسة
لم تقم باي تعديلات على الموقع والاتجاه ونسب المساحات باعتبار العمارة جاهزة وشبه مكتملة البناء، بل بدأت بإعادة عزل الجدران عزلاً تاماً ثم عزل النوافذ وتغييرها الى مزدوجة الزجاج وكذلك عزل السقف العلوي (الروف) وهو مخصص كاملا للخدمات لثماني شقق في أربعة طوابق، تبلغ مساحة الشقة 150 متر مربع، ثم قامت بعزل الأرضيات فوق الكراجات، وتحويل جميع السخانات الكهربائية الى سخانات شمسية وركزت على حمل التدفئة الشتوية حيث تشير الدراسات ان 47? من الطاقة المستهلكة سنويا في المباني السكنية في عمّان تذهب لغايات التدفئة في الشتاء، ومن هنا استغلت مساحة السطح المتبقية بعد وضع خزانات المياه والسخانات الشمسية لتركيب الواح شمسية مولدة للطاقة بمساحة عشرين مترا مربعا لكل شقة تولد بحدود 2 كيلو واط، واستطاعت بذلك ان تخفض معدل استهلاك الطاقة بمعيار راحة تام من 110 كيلو واط/متر مربع في السنة الى 50 كيلو واط فقط يتم توليد نصفها من خلال الألواح الشمسية اي يتبقى على المواطن فقط تأمين 25 كيلو واط/متر مربع في السنة!
تقول المهندسة ميسون خريسات صاحبة هذا الابتكار المعماري الاردني، بأن من اهم عوامل نجاح وتعميم هذا النموذج هو تعديل التشريعات والكودات الملزمة، وتطوير نمط التسويق التقليدي الى نمط يظهر استفادة المستهلك على المدى القريب والمتوسط، اذ بلغت الزيادة في الكلفة بحدود 70 دينار/متر مربع يتم استردادها خلال ثماني سنوات على أبعد تقدير!
المهندسة ميسون خريسات تسعى الى تطبيق نماذج عملية اكثر تقدماً تحقق وفراً تاماً للطاقة بل وتنتج فائضاً يتم بيعه لشركات تزويد الكهرباء في المستقبل القريب, وفي بلد فقير، ويستورد كل احتياجاته من الطاقة من الخارج، ويدفع الاقتصاد الاردني أعلى نسبة فاتورة نفطية مقارنة بالناتج المحلي وتصل الى 20 بالمئة منه، فثمة حاجة ماسة للنظر بجدية للاستفادة من الطاقة الشمسية، وتكييف البنية بحيث تستهلك اقل قدر ممكن من النفط، ومنتجاته!