jo24_banner
jo24_banner

عن حلمنا الذي لم يمت

فهمي هويدي
جو 24 : فهمي هويدي

تتدخل القاهرة لنزع فتيل التوتر واحتمالات المواجهة المسلحة بين الخرطوم وجوبا. لم تتوقف وسائل الإعلام عندنا، المشغولة بالتطورات الساخنة والمتسارعة الحاصلة في الساحة المصرية. انعكس ذلك على تناول صحف الصباح، أمس، للموضوع الذي اختزل في خبر على عمود أفاد بأن المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري اتصل هاتفيا بالرئيس عمر البشير ونظيره الجنوبي سلفاكير لبحث المشكلة بين البلدين الشقيقين، كما أنه قرر إيفاد وزير الخارجية السيد محمد كامل عمرو لزيارة الخرطوم وجوبا وتقريب وجهات النظر بينهما.
ليس جديدا التوتر بين «الأخوة الأعداء» في الشمال والجنوب، لكن التحرك المصري هو الجديد نسبيا، لأن مصر طوال سنوات الانكفاء التي عاشتها في ظل النظام السابق، كانت تقف متفرجة على مثل هذه الأزمات، وأحيانا كانت تنحاز إلى الطرف الغلط، استنادا إلى حسابات صغيرة مرتبطة بالأهواء العارضة وليس المصالح العليا للوطن، إذ ليس سرا أن الرئيس السابق لم يشغل نفسه بالملف الافريقي، وأنه كان يعتبر أن عالمه لا يتجاوز حدود أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. حتى ازعم أنه كان «يحج» مرة كل عام إلى واشنطن لكنه كان دائم الحرص على اداء «العمرة» على مدار العام في عواصم أوروبا، خصوصا باريس وروما وبون. ورغم أن صدره كان يضيق بزيارة الوزراء الافارقة، فإنه كان يتلهف على لقاء المسئولين الأوروبيين. حتى انه طلب ذات مرة أن يزور لندن، وأبلغ رسميا بأن جدول أعمال رئيسة الوزراء مارجريت ثاتشر مزدحم وانها لن تستطيع أن تلتقيه في الموعد الذي اقترحته الرئاسة المصرية، لكنه ألح على الزيارة رغم الاعتذار البريطاني، وحينئذ رد مكتب ثاتشر قائلا إن مشاغلها لا تزال كثيرة للغاية، ولن تستطيع أن تلتقيه في الموعد الجديد إلا لمدة 15 دقيقة فقط من الحادية عشرة الا ربعا إلى الحادية عشرة، ورغم أن الرد كان محرجا ومهينا إلا أنه قبل على نفسه ذلك، وذهب إلى لندن لتلتقط له الصور مع السيدة ثاتشر خلال دقائق الزيارة. وخرجت مانشيتات الصحف المصرية في اليوم التالي وهي تبشرنا بنجاح الزيارة التي تناولت تعميق العلاقة بين البلدين. وكتب احد رؤساء تحرير الصحف القومية مشفقا على الرئيس الذي لا يكل ولا يمل من تحري مصالح مصر في الداخل والخارج، وعن حفاوة الزعماء الغربيين به وحرصها على الإفادة من بصيرته النافذة وآرائه السديدة!
لقد انفصل جنوب السودان الذي أيده نظام مبارك حينا من الدهر كيدا في نظام الخرطوم المشتبه في توجهه الإسلامي. ولست أشك في انه كان يعرف من السيد عمر سليمان رئيس المخابرات على الاقل، أن انفصال الجنوب جزء من مؤامرة غربية تلعب فيها «إسرائيل» دورا اساسيا، وأن مصر من ابرز المتضررين جراء ذلك الانفصال، وبعد ذلك الفشل (هل أقول التواطؤ) المخابراتي خسرت مصر علاقتها مع دول حوض النيل، وخسرت أيضا مكانتها في محيطها الأفريقي.
ثمة قرائن مستجدة دالة على أن مصر أفاقت من غيبوبتها بعد الثورة، وخبر التحرك المصري الذي أشرت إليه أحد تلك القرائن، تزامن ذلك مع جهد يتحرك بطيئا لتبادل المصالح بين القاهرة والخرطوم، تمثل في الاتفاق على استيراد اللحوم والماشية من السودان وترتيبات زراعة مليون فدان هناك وهو الموضوع الذي كان محل بحث أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الزراعة المصرى للخرطوم وأسفرت عن توقيع مذكرة تفاهم بهذا الخصوص.
هذه مبادرات تستحق الحفاوة والتشجيع لا ريب، وفي حدها الأدنى فإنها تعبر عن تحرك يظل أفضل كثيرا من الموات والوهن الذي أصاب علاقات البلدين في عهد مبارك، إلا أنني أتمنى أن يتم ذلك التحرك في إطار رؤية استراتيجية واضحة تدرك جيدا أهمية إحياء فكرة «المثلث الذهبي» المتمثل في مصر والسودان وليبيا. وهي الفكرة التي لا أمل من التذكير بها، باعتبارها مدخلا لنهضة حقيقية تحدث انقلابا اقتصاديا واجتماعيا تنعم به شعوب الدول الثلاث التي تتكامل فيها كثافة مصر السكانية وخبراتها البشرية، مع تربة السودان الغنية ومساحتها والشاسعة، ونفط ليبيا الذي يستطيع أن يمول تلك النهضة ويدفعها إلى الامام، ولست اشك في أن مناخ الثورتين في مصر وليبيا اضافة إلى حماس الطبقة السياسية في السودان سيكون من الحوافز المهمة المساعدة على امكانية تحقيق التكامل المتشدد.
ثمة جهود تبذل الآن لاستثمار الربيع العربى لإحياء الاتحاد المغاربي المجمد. وهو ما يسعى اليه وزيرا خارجية كل من المغرب وتونس، والاثنان على اتصال مع المسئولين الجزائريين في هذا الصدد. والخطوة التي يراد انجازها الآن تتمثل في فتح الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر (ثمة إعداد الآن لمبادرة شعبية عربية بهذا الخصوص) والتي بسببها يخسر البلدان نحو عشرة مليارات دولار سنويا. لا أريد أن أذهب بعيدا في الحلم، وأتصور تكاملا بين المثلث الذهبي الذي اشرت اليه وبين الاتحاد المغاربي في حال إحيائه ومدى تأثير ذلك على استعادة الحلم العربي في الوحدة. وهو الحلم الذي تآمر كثيرون على إجهاضه لكنهم فشلوا في قتله.
السبيل
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير