jo24_banner
jo24_banner

بانوراما الحراك.. مرحلة ما بعد الهبّة وخطيئة العزف المنفرد

بانوراما الحراك.. مرحلة ما بعد الهبّة وخطيئة العزف المنفرد
جو 24 :

كتب تامر خرمه

الحراكات الشبابيّة والقوى السياسيّة الناشئة أدركت استحالة العزف المنفرد على أوتار الحراك الشعبي في ظلّ إصرار السلطة على فرض أبجديّات المرحلة العرفية على الواقع السياسي الأردني، فعمدت مختلف الحراكات إلى توحيد جهدها ضمن عدّة ائتلافات لخصّت مطالبها بـ "إعادة السلطة للشعب" و"اجتثاث الفساد".

وعلى النقيض من خطاب القوى التقليديّة، فإن مطلب تعديل قانون الانتخاب بالنسبة لهذه القوى لا يمكن له أن يمثل حجر الرحى في عملية الإصلاح والتغيير، حيث بات إجراء التعديلات الدستورية المتصلة بصلاحيات الملك يشكل الحدّ الأدنى من مطالب الحراك الشعبي، الذي لا يمكن له العودة إلى سقف الإصلاحات التجميلية المتعلقة بعدد أصوات الناخبين أو قوائم الترشح للمجلس النيابي.

كما أن الغضبة الشعبية التي عبّر خلالها الشارع عن سخطه وتمرّده على السياسات الاقتصادية المنحازة للأقليّة المستأثرة بالثروة، جعلت من العبث العودة إلى تنظيم مسيرات روتينيّة تنحصر في وسط البلد تحت شعارات نخبويّة ونقطتيّ بداية ونهاية محدّدتين سلفاً.

وفي ضوء ارتفاع سقف المطالب الشعبية وإصرار السلطة على التعامل معها وفق ذات المقاربة الأمنيّة الكلاسيكيّة، فإن القوى الناشئة وجدت نفسها في مواجهة مع مسؤوليّاتها، التي تفرض عليها دفع مستوى التنسيق فيما بينها إلى أعلى درجاته، وتوحيد جهودها ضمن صيغ ائتلافيّة تترجم برامجها على أرض الواقع، بعيدا عن النزعة الاستعراضيّة ونزق التفرّد في صناعة القرار.

وكانت قضيّة المعتقلين التي وحّدت معظم الحراكات الشبابيّة والشعبيّة قبل هبّة تشرين، قد شكلت مجدّدا نقطة التقاء هذه الحراكات التي تسعى إلى إعادة تنظيم عملها لما بعد الهبّة.. ومن هنا جاء شعار "جمعة إسقاط الأحكام العرفيّة" في مسيرة العاصمة عمّان، والتي شكّلت إحدى محطّات العمل المشترك الذي تحاول عبره القوى الناشئة تجاوز الصيغة النخبويّة للجبهة الوطنيّة للإصلاح، والتي تحاول من جهتها إعادة مطالب الحراك إلى المربّع الأوّل.

ورغم تواضع أعداد المشاركين في هذه المسيرة، وتركيز مطالبهم على قضيّة المعتقلين، إلا أن أهميّتها تبرز في كونها محطّة جديدة لتوحيد الجهد، وإعادة الاعتبار للعمل المشارك ضمن صيغ ائتلافيّة، تشكّل نقطة انطلاق لمرحلة ما بعد الهبّة.

ولكن هل تنجح الحراكات الشبابيّة والشعبيّة في تحديد رؤية واضحة للعمل المشترك ؟ وهل تنجح بالحفاظ على ائتلافاتها بعد تحقيق المطلب الآني المتعلّق بالإفراج عن معتقلي الرأي ؟

العديد من التساؤلات تفرض نفسها في هذه المرحلة التي تشهد لقاءات جانبيّة وصفقات تعقد من تحت الطاولة وفوقها، حيث تسعى السلطة إلى تفتيت الحراكات الشعبيّة عبر لقاءات تستهدف العمل المشترك، بحيث يظهر كلّ حراك على انه يغرّد خارج السرب ويسعى للإفراج عن المعتقلين الذين ينتمون إليه دون سواهم من معتقلي الهبّة، الأمر الذي من شأنه ان ينسف كلّ ما عملت الحراكات الشعبيّة على تحقيقه خلال الربيع الأردني.

ولا تملك الحراكات الشعبيّة -في حال أرادت أن تكون البديل عن القوى التقليديّة- إلا أن تدفع باتجاه بناء إطار موحّد لا يستثني أيّاً من القوى الشبابيّة والشعبيّة، بصرف النظر عن أعداد المنتسبين لها.. وقد يكون حراك الكرك قد أردك هذه المعادلة عندما قرّر كسر نمطيّة العمل، والتوجّه إلى عقد لقاءات وحوارات تهدف إلى توحيد الجهد وبلورة رؤية جديدة تحدّد أسلوب وطبيعة النشاطات للمرحلة المقبلة.

أمّا في محافظة معان، فإنّ القوى الشبابيّة التي تتمحور مطالبها حول الوظيفة ولقمة العيش، فمن شأنها أن تكون وقودا لحالة شعبيّة تفرض أولويّاتها على المشهد السياسي، وتحمل القوى التقليديّة على تغيير خطابها النخبوي وطرح الشعارات التي تتصلّ مباشرة بهموم الناس وقضاياهم المعيشيّة.

وقد تمكن شباب معان العاطلين عن العمل من الحفاظ على زخم الحراك في المدينة، بعد أن راهن الكثيرون على هدوئها بعد انتهاء هبّة تشرين، كما أن مسيرة الجمعة كشفت عن حالة الوعي لدى هذه الفئة التي ربطت بين البعدين المطلبي والسياسي لمطالبها.. وفي حال أصرّت السلطة على تجاهل قضيّتهم -كما هو متوقّع- فإن حالة شبابيّة متميّزة قد تتبلور في هذه المدينة التي من شأن غضبتها أن تدفع باتجاه ما هو أبعد من الهبّة.

وبالتزامن مع هذه التطوّرات التي تشهدها مدن الجنوب، فإن الحركة الإسلاميّة تحاول الحفاظ على الصيغة الائتلافيّة التي جمعت حولها عددا من الحراكات الشعبيّة في شمال المملكة، إلاّ أن التباينات السياسيّة داخل الحركة، وعدم استقرار مواقفها، تدفع باتجاه بلورة حالة شعبيّة تتجاوز الاسلاميّين وكافة القوى التقليديّة ضمن صيغة ائتلافيّة شعبيّة مستقلّة، وفي ذات الوقت أكثر تنظيماً، ولا سيّما بعد أن راكمت قيادات الحراكات الشبابيّة خبرات لا بأس بها.

وعودة إلى حالة المدّ والجذر التي تشهدها العاصمة عمّان، فإن الصيغ الائتلافيّة التي بدأت بالتبلور حديثا لا يمكن لها العمل بمعزل عن التطوّرات التي تشهدها المحافظات، بل إن التنسيق ما بين كافة الحراكات في مختلف مدن ومحافظات المملكة، يشكّل الشرط الأساسي للارتقاء بالحراك إلى المستوى الذي تقتضيه مرحلة ما بعد الهبّة.. ولكن على الحراكات الشبابيّة والشعبيّة في عمان -قبل كلّ شيء- أن تستدرك نتائج اللقاءات الجانبيّة، التي من شأنها تكريس منطق الصيغة الأحاديّة، وفرملة برنامج العمل المشترك.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير