jo24_banner
jo24_banner

"لمّا ضحكت الموناليزا" ابتسامة أشرقت لها السينما الأردنيّة

لمّا ضحكت الموناليزا ابتسامة أشرقت لها السينما الأردنيّة
جو 24 :

كتب تامر خرمه

"الآن أستطيع القول بأنه أصبح لدينا ولأوّل مرّة عمل سينمائي أردني".. قال الفنان زهير النوباني مبتهجا فور انتهاء عرض فيلم "لما ضحكت الموناليزا" الذي نجح المخرج فادي حداد من خلاله بإضفاء لمسته على المشهد العمّاني وتغيير نمطيّته في ذاكرة المشاهد.

حداد نجح عبر فيلم الموناليزا، الذي عرض ضمن سلسلة أفلام مهرجان كرامة في المركز الثقافي الملكي، بالدمج ما بين مدينة عمّان كما يعرفها الأردنيون وتلك المدينة الرومانسية التي تسكن مخيّلته، ومنذ الدقائق الأولى لعرض الفيلم يتعرّف المشاهد على عمّان بالهيئة التي يراها عليها حدّاد.. مدينة بلغت من الجمال والرقّة ما يفوق واقعها ويقنع المشاهد بأن هذا الثوب الرائع في بساطته هو وحده ما تستحقه المدينة.

ويصطحب حدّاد جمهوره بين أروقة عمّان وشوارعها، ليعرّفه على رقيب السير الذي ألفه معظم السائقين، والذي عشق مهنته وعاد إليها بعد إحالته إلى التقاعد، فملأت بهجته شوارع جبل الحسين، ذلك الرقيب الذي يعرفه الواقع أكثر ممّا تعرفه السينما، والذي اختاره حدّاد ليكون معلما من معالم المدينة التي نقلها من الواقع كما هي، قبل أن يعقد قرانها على مخيّلته.

خيال حداد لا يذهب بك بعيدا عن الواقع، كل ما في الأمر أنّه يريك المدينة من ذات الجانب الذي يراها منه، وضمن أسلوبه السهل الممتنع، يعرض حكاية "الموناليزا".. فتاة حرّرها الحبّ من قيود الانطواء والخجل الاجتماعي، لتعبّر من خلال ابتسامتها التي طال انتظارها فرحة الانعتاق من الرهبة والإقبال على الحياة.

"الموناليزا" تعشق عاملا وافدا أعاد لها حريّتها وعشقها للحياة، لتعود تلك الطفلة التي تبتسم لكلّ ما حولها، وتجيد القدرة على الدهشة وتذوق كل ما هو جميل.. إلا أنّها تصطدم بالعقد الاجتماعية قبل أن تتجاوزها وتواصل رحلة الحبّ والدهشة.

وبدأت "الموناليزا" بشرب القهوة التي لم تتذوقها طيلة حياتها، فتشعر بنكهة الحياة التي تخلّت عنها شقيقتها "عفاف" بسبب تجربة حبّ مؤلمة، قيّدتها بأكثر قيود المجتمع إيلاماً للفتاة، حتى باتت تعاني رهاب الخلاء.

وبين "الموناليزا" و"عفاف" يسلّط الفيلم الضوء على العلاقات الحبيّة في المجتمعات الشرقيّة، والتي تتحوّل فيها الفتاة إلى ضحيّة، وفي الوقت الذي ترزح فيه "عفاف" تحت وطأة آلامها بسبب استهتار من أحبّته ذات يوم، والأحكام الاجتماعيّة القاسية على مثل تلك التجربة التي مرّت بها، ترفض "الموناليزا" أن تكون تلك الضحيّة وتقرّر الزواج من حمدي رغم رفض المجتمع لهذه العلاقة التي تربط بين فتاة أردنية ووافد عربيّ انطلاقا من نظرة طبقيّة ضيّقة.

وكذلك يصوّر الفيلم معاناة جارتهما الفتاة الرومانسية، التي تنتظر زوجها الغائب كلّ ليلة دون أن يأتي.. ويعيد رسم معاناة المرأة المتزوجة عبر حكاية "نايفة" التي أتقنت الفنّانة نادرة عمران تجسيد شخصيّتها وتقمّصها بإبداع قلّ نظيره.

"نايفة" المرأة التقليديّة التي عبّرت عن مختلف العقد الاجتماعيّة، هي تلك الشخصية التي يطرح الفيلم من خلالها أبرز المشكلات الاجتماعيّة ويعالجها عبر مشاهد كوميديّة موجعة.. أمّا المشاهد فإنه يعترف عبر ضحكه المستمرّ بصحّة ما يطرحه الفيلم في مواجهة تلك المفاهيم.

توظيف الكوميديا كان أكثر عناصر الفيلم ابداعا، حيث نجح حدّاد في توظيفها لمعالجة مختلف القضايا الاجتماعية المعقّدة، والتي عرضها بجرأة قلّ نظيرها، في ذات الوقت الذي حال أسلوبه دون صدم المتلقي وإقحامه في طرح مناقض لثقافته، فعبر هذا الأسلوب السهل الممتنع، كان للكوميديا دورها الرئيس في إقناع المشاهد بما يطرحه الفيلم من وجهات نظر.

كما ابتعد المخرج عن السرد في بناء الخلفيّة الروائية لشخصيّاته، ونجح في ابتكار أسلوب متميّز استند إلى الكوميديا في عرض حكاية كلّ من الشخصيّات الرئيسيّة التي ألفها المتلقي وشعر بقربها منذ الدقائق الأولى لعرض الفيلم.

كما أن حدّاد لم يبتعد عن الأسلوب الكلاسيكيّ في عرض المشاهد الرومانسيّة فحسب، بل وظّف ما ألفته السينما العربيّة من مشاهد في قالب كوميديّ لا يخلو من الرومانسيّة، ولكن عبر إيقاع يجعل من هذه المشاهد جزء حيويا يضفي على حبكة الفيلم طابعها الخاص.

"لمّا ضحكت الموناليزا" هو باختصار ذلك الفيلم الذي يعيد رسم مدينة عمّان في ذهن المتلقي ويعيد ترتيب المفاهيم الاجتماعيّة وفق مفردات أكثر عمقا وإنسانيّة.. إنّه الابتسامة التي أشرقت لها "السينما الأردنيّة".

 

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير