القضاء الأردني بين الواقع والطموحات
حقوق الناس وحرياتهم مردها طاقة الفرد وحاجته لها، وهي نابعة من مفاهيم احترام آدميته دون أدنى تمييز بين فرد وآخر لأي اعتبار كان. وهذه الحقوق والحريات الفردية ليست ميزة ممنوحة للفرد من أحد بل هي مقررة له وبعضها يكتسب بمجرد ولادة الإنسان.
وقد أفردت الشرائع السماوية والوضعية نصوصا لهذه الحقوق وتلك الحريات وأضفت عليها طابع الحماية الذي يحول بينها وبين كل مظاهر القهر والتعسف. وقد تولى الدستور الأردني تأطير هذه الحقوق والحريات الفردية وجاء منسجما في ذلك ـ شأنه شأن الدساتير العربية والعالمية ـ مع مظاهر التقدم الأخلاقي العالمي في هذا العصر والمتمثل في تقنين هذه الحقوق والحريات في صورة مواثيق وعهود دولية.
إلا أن دسترة الحقوق والحريات الفردية وقوننتها لا يعد كافيا لصيانة هذه الحقوق وتلك الحريات أمام سطوة وجبروت الدولة وسلطتيها التنفيذية والتشريعية، الأمر الذي استلزم وجود سلطة ثالثة تشكل حدا للردع والصد والذود عن الحقوق والحريات الفردية الدستورية والقانونية في مواجهة التغوّل على حقوق الأفراد وحرياتهم من قبل السلطة التشريعية وضرتها السلطة التنفيذية.
والسلطة الثالثة هي السلطة القضائية، والتي تشكل درع الحماية لحقوق الإفراد وحرياتهم مما يبعث في نفوسهم الرضا والإحساس المطمئن بالعدالة وذلك من خلال رقابتها على ما تصدره السلطة التشريعية من قوانين عندما تنال مثالب التشريع من الحقوق والحريات الفردية وتعرضها للانتقاص أو تفرض قيودا عبثية على ممارستها من قبلهم. وكل ذلك من خلال فرض رقابتها على دستورية القوانين والتي هي من أولى واجبات السلطة القضائية. كما يناط بالسلطة القضائية واجب الذود عن حقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة ما تتعرض له من تعديات من قبل الإدارة أو من قبل غيرها.
وعليه، وحيث أن القضاء هو الركيزة الأساسية لإقامة العدل بين الناس، ولكي يؤدي القضاء دوره الفعّال ولكي لا تكون حقوق الأفراد وحرياتهم في مهب الريح أمام تجاوزات السلطة التنفيذية صاحبة الامتيازات والسلطان والتي ثبت انحرافها منذ القدم، وكذلك أمام السلطة التشريعية التي تحدث عبد الرزاق السنهوري رحمه الله عن انحرافها الآتي ورأيناه رؤى العين، ولكي يؤدي القضاء دوره الأمين في مواجهة تعديات الأفراد على حقوق وحــــــــــريات بعضهم. ولا يخفى على القارئ والناقد معا أن من يطلعون بمهام هذه السلطة الموقّرة التي تأخذ على عاتقها مكنة القضاء وإقامة العدل فيما بين الناس هم أناس من رحم هذا الوطن.
وتأسيسا على ما سبق وحبا لوطني وكي يبقى القضاء العادل صمام الأمان الآمن......... فإنني أضع بين يــدي ذوي الشأن ومن يهمهم الأمر ما لامسته من معاناة القضاة عل في الأخذ بها ما يعود عليهم وعلى الوطن بالنفع والصلاح وكلها ضمانات لسير الإجراءات القضائية بعدالة وإصدار قرارات مسببة تقيم العدل وتدرأ الظلم ألخصها في الآتي:
1- إحاطة القاضي بضمانات تقيه شر الإحالة على التقاعد والاستيداع وإنهاء الخدمة ما لم يكن هناك مخالفـــــــــة مسلكية أو جرم مخل بالشرف والأمانة . انسجاما مع ما هو معمول به عربيا وعالميا " الدستور اليمني/المادة 156،الدستور المغربي/الفصل 85، الدستور العماني المادة 61، الدستور السوداني/المادة 104،الدستـــــــور الكويتي/المادة 162........" وانسجاما مع احترام الأردن لمواثيقها الدولية التي تقرر أن القاضي يعيّــــــــــن بقرار ولا يترك القضاء إلا بقراره ما دام لم يرتكب مخالفة مسلكية أو جرما مخلا بالشرف والأمانة .
2- أن يكون للقضاة مظلة تمثلهم كأن بأن يصار إلى استحداث نادي للقضاة على غرار ما هو معمول به عربـيـــــا وعالميا.
3- إحاطة القاضي بضمانات تقية شر التنقل وضمانات تقيه شر الانتداب وخصوصا بالنظر إلى طول مسافــــــــات الانتداب في المحافظات وخصوصا محافظات الجنوب.
4- أن يكون ترفيع القاضي بأثر رجعي في حال فوات المدة واستحقاق القاضي للترفيع وعدم وجود شاغـــــر منعا لمظلمته. حيث أن ترفيعه بدون أثر رجعي يعني هدر مدة ينبغي أن تحتسب في درجته الجديدة .
5- تفعيل شكوى الافتراء في حال ثبوت كيدية الشكاوى التي تقدم في مواجهة القضاة. حيث أن مكانـــــــــة القاضي ودوره في الاطلاع بالعدالة يقف حاجزا لديه في مخاصمة ذوي الشكاوى والدعاوى الكيدية الأمر الذي يلزم معه أن يطلع التفتيش القضائي بهذا الدور. 6- العمل على فصل النيابة العامة عن القضاء من حيث الواجبات والعمل مع بقاء ارتباطها بالسلطة القضائية وذلك من خلال تهيئة قضاة للعمل في النيابة العامة وتفريغهم كليا لهذا الواجب طيلة عملهم القضائي الأمر الذي يخلق عامل التخصصية في العمل ويعكس آثارا ايجابية على حقوق الأفراد وذلك كضمانات للحقوق ومنعا من ضياع
الأدلة. 7- العمل على ترسيخ فكرة القاضي الخلاق الذي يؤمن أن تحقيق العدالة هو ديدنه، وان الأخذ بمبدأ روح القانون
كالأخذ بنصه هو في صميم واجبه. وأن من أولى واجباته التوقف عند النص والوقوف على إرادة المشرع التي هي ليست منزله. فالنص قد يكون مقننا للظلم جارحا للعدالة.لأن القضاء العادل هو سيف الحق في مواجهة الظلم والاستبداد الرسمي.
8- إنصاف تلك الشريحة من القضاة التي كانت تخضع لقانون الضمان الاجتماعي ثم خضعت لنظــــــــــــام الخدمة القضائية والذي لخلوه من النص على هذه الحالة أحال مظلمتهم إلى قانون التقاعد المدني الذي يهدر ثلث مدة خدماتهم السابقة علما بأن هذه الشريحة تمثل أكثر من ثلث القضاة.
9- معالجة عزوف بعض القضاة عن الخدمة خارج العاصمة لبعدها عن مناطق سكناهم كمحافظات الجنوب وذلك بإقرار مزايا تتناسب مع مقدار ما يعانونه في التنقل وتغيير أماكن سكناهم.
10- سد النقص الحاصل في عدد القضاة الأمر الذي معه يكون بعض القضاة مجبرا للانتداب في محاكـــــم البلديات إضافة لواجباته المتعددة كقضاة الصلح الذين يطلع واحدهم بدور رئيس المحكمة والمدعي العام ورئيس التنفيذ وقاضي محكمة بلدية منتدب هذا بالإضافة إلى ارتفاع مدور القاضي من القضايا الأمر الذي يؤثر سلبــــا على العدالة ويطيل أمد التقاضي.
11- إعادة النظر في التأمين الصحي للقضاة حيث أن التأمين الصحي على وضعه الحالي يضطر القاضي إلى تسديد فواتير علاج له ولذويه غير مشمولة بالتأمين بالنظر لعدم توافرها في مستشفيات الحكومة.
12- على الحكومة أن تأخذ بعين الاهتمام خطورة عمل القاضي وخاصة في القضاء الجنائـــــــي وتعمل على تأمين
القاضي بسلاح شخصي ذودا عن نفسه، وذودا عن هيبة الجهاز القضائي في مواجهة التصرفات الرعناء التي قد تصدر عن المتهمين لحظة إصدار القرارت وخاصة أحكام الإعدام، فالقاتل مرة يستبيح إزهاق الأرواح ألف مرة ما دام يعرف مصيره.
13- السعي نحو شمول القضاة بمكرمة ملكية سامية تتمثل في منحهم إعفاءا جمركيا. ولا نرى أن هذه الفئــــة الكريمة القائمة على العدل تمانع حتى من المساهمة في رسم جمركي مقطوع لا يتجاوز الخمسمائة دينار.
ولا تفوتنا الإشارة إلى أن القضاء يشكل رافعة من روافع الإصلاح الوطني ودعامة أساسية من دعاماته إلا أن ثمة إهمال مجتمعي وشعبي غيّب دور القضاء في الإصلاح وجحد كلمة الحق بحقه .
وأخيرا نرى أن الضرورة تستدعي مراجعة وإجراء تعديلات جزئية في قانون استقلال القضاء وقانون أصول المحاكمات المدنية تحقق للقاضي ضمانات وظيفية .ونسأل الله رفعة جهازنا القضائي لما فيه خير الوطن وحسن سير العدالة والله من وراء القصد......