الرد العربي على هرطقات ترامب وإهاناته
منذ حملته الانتخابية، مرورا بما بعد فوزه، وصولا إلى تنصيبه وإلى الآن؛ لم يتوقف ترامب عن مغازلة الصهاينة بكل وسيلة ممكنة، فيما لم يتوقف في المقابل عن ممارسة الهرطقة بحق العرب، إلى جانب توجيه الإهانات إليهم، من دون أن يبادر أي أحد إلى الرد عليه، خلافا للآخرين الذين لم يصمتوا على مواقفه وإهاناته، أكانوا من الحلفاء أم من الخصوم.
لا تنحصر إهاناته وهرطقاته في قصة قرار الحظر الذي أوقفته مؤسسة القضاء، والذي لا يزال مصرا عليه، وقد يضم إليه لاحقا دولا أخرى غير التي وردت في القائمة، لكن الموقف من القرار كان مثيرا للأسى والدهشة، إذ تراوح بين الصمت والتبرير. لكن الأسوأ من القرار المذكور هو تكرار ترامب لمصطلح "الإرهاب الإسلامي” دون توقف، وهو موقف غير مسبوق في تاريخ الرؤساء، بما فيهم بوش (الابن) نفسه، ومن المثير أن نرى ردودا عليه من المستشارة الألمانية، ومن بابا الفاتيكان، بينما صمت العرب، فيما جميع الأنظمة تعتبر نفسها ممثلة للإسلام، وتنص دساتيرها على أنه دينها الرسمي.
وكان الأسوأ أن تصمت حتى المؤسسات الدينية الرسمية، ولا نسمع منها ما سمعناه من البابا مثلا؛ من رفض إلصاق الإرهاب بأي دين، بما في ذلك الإسلام. وإذا ما تواصل الصمت ، فإن المصطلح لن يلبث أن ينتشر، ويصبح حقيقة واقعة، ما يعني جعل كل مسلم يرسم الشبهة تبعا لدينه.
ما لا يقل سوءا عن ذلك كله، هو الحديث المتعالي والمهين عن دول الخليج، والذي كرره ترامب مرارا منذ حملته الانتخابية، وحتى الآن، وأعاده قبل أيام حين تحدث عن تمويل المناطق الآمنة في سوريا، تلك التي ينبغي أن يموّلها الخليجيون برأيه، لأنهم "لا يملكون إلا المال”، فيما كرر مرارا قبل ذلك الحديث عن إرادته جباية بدل الحماية من دول الخليج، وهجائه للسياسات السابقة، وحيث لم تأخذ أمريكا من الخليج "ولو بئر نفط صغير”، بحسب تعبيره، لكأن مئات المليارات التي صبت في الخزينة الأمريكية كبدل صفقات سلاح، ومستوردات أخرى خارج الحسبة، أو لكأن الاستثمارات الخليجية في أمريكا ليست شيئا يذكر!!
هذه اللهجة المتعالية والمهينة، بل العنصرية لم تحظ بأي رد من دول الخليج، فضلا عن العرب الآخرين، فيما خصّ القضايا آنفة الذكر، وهو ما يستدعي سؤالا عما وراء هذا البؤس في المواقف، لا سيما أن مسلسل الابتزاز لن يتوقف، وكلما كانت الردود باهتة، أو غائبة، فسيتجرأ الرجل على المزيد تباعا.
مؤكد أن الخوف سبب مهم، أما السبب الآخر فيتمثل في الرغبة في تشجيعه (أي ترامب) على العمل ضد إيران. وهنا يمكن القول إن السبب الأول ليس مقنعا، فأمريكا ليست رب الكون الذي يأمر فيطاع، وهي في حالة تراجع أمام قوىً كبرى، بل يتمرد عليها حتى الصغار، ولا ينبغي للعرب أن يكونوا وحدهم من يسمعون ويطيعون، أو يسكتون على الإهانات.
أما السبب الآخر، فليست له قيمة من الناحية العملية، لأن ما فعله وسيفعله ترامب حيال إيران جزء من استحقاقات الدعم للكيان الصهيوني، وهو يتعلق بالاتفاق النووي والعلاقة مع الكيان، وليس بمواقف إيران العدائية من المحيط العربي، بل إن المنطق يقول إن واشنطن لا ترغب في أي مصالحة أو تفاهم مع إيران، لأن صراع الأضداد هنا هو مصلحتها الكبرى كقوة إمبريالية.