jo24_banner
jo24_banner

أهميّة التنوير فى زمن التحوّلات

الأمير الحسن بن طلال
جو 24 :
للإنسان حقّ في الكرامة بمعناها الشامل، بصرف النظر عن أي اعتبارات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.

كما يقع العمل على صون الكرامة الإنسانيةعلى رأس أولوياتنا، في إطار ترسيخ مفهوم المواطنة في الأذهان وتجسيده في الممارسة اليومية.

وكلما أمعنا النظر في حالة الارتباك العالمية، وظواهر الغضب والخوف والإقصاء والتطرف بأبعادها المختلفة، أدركنا أهمية الخطاب الأصيل العقلاني على صعيد الوطن والجبهة الداخلية. هذا الخطاب الذي لا يقصي أحدًا وينطلق من مبدأ تعزيز السلم الداخلي وتحقيق الازدهار للجميع. لذلك، لا بد في هذه المرحلة من تعريف الأولويات والرجوع إلى الأساسيات،وكذلك التحلي بروح الوحدة والصمود التي تجمّع ولا تفرّق بين مكوّنات الوطن الواحد.وهنا أقول: علينا أن نتشبث بالوطن وترابه الغالي وثرواته؛ ظاهرها وباطنها بما يحقق الإعمار المنشود للأرض ومن عليها.

نحن بحاجة إلى مفهوم جديد للأمن يقوم على الثقة والسلام والتعاون وتعزيز أواصر الصداقة على المستويات كافة.ومفهومنا للأمن لا يعني فقط الأمن العسكري أو الصُّلب، لكنه يشمل أيضًا الأمن الإنساني المتمثّل في صون كرامة الإنسان وفي تلبية احتياجاته: الروحانية والوجدانية أولاً، ثم المادية، وأعني بالإنسان هنا المواطن واللاجئ والنازح والمهجّر قسريًّا والمشرّد.

وفي هذا الإطار، نحتاج إلى رؤية ورسالة وأهداف واضحة تستجيب لمتطلبات الواقع وتستند إلى منظومة إصلاح تحقّق تقرير مصيرنا مؤسسيًّا.

ويمكن القول إن إخفاق العقل العربي في فقه الواقع ومآلاته قد أسهم في صناعة التطرف؛ فكأن الحوار والجدل العقلاني قد تحوّلاإلى حالة مأساوية قطعتفيها العدمية سبُل الفكر التنويري وآفاق العقل الرّحبة.

ومع الانتشار المخيف لظواهر التطرف بأشكاله، نتساءل: هل بقيت رغبة لدى العالم فى التعرف إلى الإسلام الحقيقي؟ من الضروري أن نتعاون مع كل من يقف في وجه التطرف بأشكاله، لكن لا بد أن نتذكر أن علاقاتنا مع الآخر قائمة على الاحترام المتبادل وقبول التنوّع الثقافي والديني والإثني في الإقليم.

قفز عدد اللاجئين في العالم إلى 60 مليونا بنهاية عام 2015، وهو العدد الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية،كما تمّ تقدير الخسائر الناجمة عن شلل الاقتصادات وتراجع الإنتاج خلال الربيع العربي - الذي بدأت أحداثه عام 2011 - بنحو 614 مليار دولار. (تقرير الإسكوا) ووفقًا لتقرير الهجرة الدولية لعام 2015 المعنون (الهجرة والنزوح والتنمية في منطقة عربية متغيرة)، «تضم المنطقة العربية أكبر عدد من اللاجئين والنازحين في العالم، معظمهم نازحون داخل المنطقة.»

ويمكن القول إنما أُنفق من ثروات أدّت إلى تقويض البلاد وقتل العباد في دول الإقليم يفوق بكثير ما يمكن إنفاقه في سبيل نشر قيَم التنوير والتقدم والمعرفة.

أما آن الأوان أن نسترجع قيَم التنوير في إطار معمار جديد أو هندسة حديثة للنهضة تؤكد كونها متجددة وصالحة لعصر التحولات هذا وليست ذات أفق تاريخي محدود؟ لكن، كيف يمكن إحداث التغيير المنشود وتحقيق التنوير المأمول في غياب العصف الفكريّ الجمعي الذي يرفع رايته مفكرو الأمة ومثقّفوها؟ ما أحوجنا إلى مخاطبة الناس بصوتٍ يعكس التوازن بين فضاءات العقل ونور الإيمان ويدعم مسالك الفكر الحر.خطاب ينطلق من ضمائرنا الحية الحريصة على كل ما من شأنه تعزيزالانتماء وتقوية الذات، فتصبح أخلاقيات التضامن الإنساني واقعًا في علاقاتنا تضمن كرامة الإنسان وقيمة الحياة للفرد والمجتمع على حد سواء.

يجب تأكيد أن سيادة النواميس الدولية تمثل أساسًا للإدارة الحصيفة،بقدر ما تعدّ الضامن الأساسي لحقوق الأفراد. عندئذ،يتحرر المواطن من الخوف ويمارس حقّه في العيش الكريم والنمو والتطور. إن ترجمة هذه التطلعات إلى واقع ملموس تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية، أولها: الأمن الإنساني وثانيها: العدالة الاجتماعية، وثالثها: التكامل الإقليمي فيما بيننا؛ حكومات وشعوب ومكوّنات اقتصادية واستثمارية.

نحن اليوم بأمس الحاجة إلى حوار حقيقي بين الأفراد والجماعات والأمم، بحيث ننطلق من أن المواطن هو اللبنة الأساسية للوطن، واعتبار أن ما نشهده اليوم في المنطقة من تحديات واضطرابات في خمس دول عربية يحتّم التعاون في إطار تعريف المشتركات الإقليمية في المشرق والمغرب. فإذا مكّنا المواطن من القيام بدوره وإطلاق طاقاته وتحمّل مسئولياته، ليكون الرّهاب قاسمًا مشتركًا بين الحكومات والأفراد.

إن أي رؤية جديدة لمنطقتنا لا بد أن تأخذ بالحسبان الطروحات الجديدة والإسهامات الفردية التي تصب في مصلحة الأوطان ثم البشرية ومستقبلها،إذ بتْنا نلحظ تفاعلاً أكبر لدول الشرق الأقصى مع قضايا بلاد الشام والإقليم.كما أنه من المشجع رؤيةالتوافق بين روسيا وتركيا وإيران في إطار تنظيم محادثات الهدنة السورية. كما كان توقيع الاتفاق النووي الإيراني خطوة في الاتجاه الصحيح بالنسبة للعلاقات بين الشرق والغرب. لكننا بحاجة إلى نسج منظومة دوليةمُبادِرة بحقّ بدلاً من العمل فرادى؛ مجموعة من الدول تخضع لنظام تراتبي غير منصف.

ولا ريب في أن إعلاء المصلحة العامة وحماية حقوق الإنسان وصون كرامته تشكل الضمانة الحقيقية للعلاقات المستقبلية بين منطقتنا والعالم؛ بين الشرق والغرب. إننا بحاجة إلى نهج جديد جامع وصولاً إلى صوت إقليمي موحّد يمثل الجهات الفاعلة في الإقليم ويحظى بدعم مواطنيه من مختلف الفئات والشرائح.حينذاك، سنشهد انطلاق الحوارات الاستراتيجية القائمة على الأولويات لمعالجة المشكلات ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها مشكلة الهجرة في الإقليم بأشكالها القسرية والحياتية. فهل نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي مؤسّسي إقليمي يتناسب وضرورات المرحلة؟ وهل لدى الجامعة العربية استراتيجية نابعة من دول الإقليم لإطفاء الخلافات وإدارة الأزمات؟ وما آفاق التعاون في إطار مشاريع إعادة الإعمار وحماية تراثنا الإنساني المشترك تحت مظلة بنك إقليمي للتنمية وإعادة الإعمار؟

تلكُم أسئلة محورية تحتاج إلى وقفة تفكّر واستشراف تمنحنا فسحة من الأمل لتحقيق التغييرات المنشودة التي يحلم بها المواطن العربي في كل مكان.

أدعو إلى ذلك اليوم الذي يصبح فيه فضاؤنا العربي والإسلامي فضاء للإيمان والأخلاق والعلم والعمل لا مسرحًا للغضب والحروب المذهبية والدينية؛ يكون فيه رأس المال الحقيقي هو كرامة الإنسان، كما تكون رسالة الوطن حاضرة في القلوب والأذهان. نريد للتاريخ أن يكون عبرة وذكرى نتعلّم منه ولا نُسقطه على واقعنا المأزوم، بحيث نؤسس معًا دربًا للأفكار يفسح المجال أمام حوار مثمر من أجل السلام.

 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير