نعمة الأمن
د. محمد يونس الزعبي
جو 24 :
قال الله تعالى: "( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)"، الأمن مطلب عزيز، وكنز ثمين، هو قوام الحياة كلها، وأساس الحضارة أجمعها، تتطلع إليه المجتمعات، وتتسابق لتحقيقه السلطات، وتسَخر له الإمكانات، وتستهدف من أجله الطاقات.
الأمن يسبق طلب الغذاء، فبغير الأمن لا يستساغ طعام، ولا يهنأ عيش، ولا يلذ بنوم، ولا ينعم براحة، قيل لحكيم: أين تجد السرور؟ قال: في الأمن، فإنني وجدت الخائف لا عيش له.
ولهذا لما دعا الخليل ابراهيم عليه السلام لأهل مكة قال: "( رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ )".
في ظل الأمن تحفظ النفوس، وتصان الأعراض والأموال، وتؤمن السبل، وتقام الحدود، ويسود العمران، وتنمو الثروات، وتتوافر الخيرات، ويكثر الحرث والنسل.
في ظل الأمن تقوم الدعوة إلى الله، وتعمر المساجد، وتقام الجمع والجماعات، ويسود الشرع، وينتشر المعروف ويقل المنكر.
ما قيمة المال إذا فقد الأمن، ما طيب العيش إذا انعدم الأمن، لأن نعمة الأمن مع العافية والرزق تشكل الملك الحقيقي للدنيا قال عليه الصلاة والسلام: "( ﻣﻦ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻨﻜﻢ ﺁﻣﻨﺎً ﻓﻲ ﺳﺮﺑﻪ ﻣﻌﺎﻓﻰ ﻓﻲ ﺟﺴﺪﻩ ﻋﻨﺪﻩ ﻗﻮﺕ ﻳﻮﻣﻪ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﺣﻴﺰﺕ ﻟﻪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺄﺳرها)".
إن الديار التي يفقد فيها الأمن صحراء قاحلة وإن كانت ذات جنان وارفة الضلال، وإن البلاد التي تنعم بالأمن تهدأ فيها النفوس، وتطمئن فيها القلوب، وإن كانت جرداء قاحلة.
لو انفرط عقد الأمن ساعة – لا سمح الله – لرأيت كيف تعم الفوضى، وتتعطل المصالح، ويكثر الهرج والقتل، إذا اختل الأمن حكم اللصوص، وقطاع الطرق، وسادت شريعة الغاب، وعمت الفوضى وهلك الناس.
تأملوا رحمكم الله فيمن حولنا من بلاد المسلمين ستجد الواقع ناطقا وأسال الشام والعراق واليمن نجده على هذه الحقيقة شاهدا مع أنهم كانوا كما قال الشاعر:
لوحة الأمن الجميلة التي نعيشها في هذا الوطن الغالي على قلوبنا نرسمها نحن بأيدينا ونصنعها بأنفسنا بعد توفيق الله لنا حماية لوطننا وأرضنا.
لوحة الأمن نحن نصنعها حينما نستقيم على أمر ديننا، ونؤدي صلاتنا، ونبر آباءنا، ونصل رحمنا، ونوقر كبيرنا، ونرحم ضعيفنا، ونعرف لعالمنا حقه.
لوحة الأمن نحن نصنعها حينما نحفظ حقوق الله وننتهي عن محارم الله، ونشكر نعم الله علينا لقولة تعالى: "(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)" لوحة الأمن التي نصنعها ليست مجرد كلمة تقال باللسان ثم بعده تستقيم الأمور بل إنها تحتاج منا إلى جهد ومصابره لأنها لا تقوم إلا برجال مخلصين وشعب متماسك ومتعاون، وقائد يقود سفينة هذا الوطن إلى بر الأمان، وجيش مصطفوي يحرس الحدود ويحمي الثغور، فتحية إكبار وإجلال إلى قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، فرسان الحق الذين يحمون ثغور الوطن ويذودون عن حياضه ويحفظوا آمنه واستقراره.
لوحة الأمن الجميلة نصنعها عندما يكون كل مواطن فينا رجل أمن في تنبهه ويقظته إزاء كل مشبوه يحاول المس بأمن هذا الوطن واستقراره فنحمي وطننا من كل حاقد أو حاسد، يريد السوء بوطننا وامتنا.
لوحة الأمن الجميلة نصنعها حين نحمي أبناءنا وبناتنا وشبابنا من أصحاب الفكر المنحرف الذين لبسوا عباءة الإسلام زورا وبهتانا و ديننا بريء منهم ومن أفعالهم وأفكارهم المنحرفة.
لوحة الأمن الجميلة نصنعها حينما نشكل نسيجا وطنيا مميزاً، يقوم على أساس المواطنة الصالحة بين إفراد المجتمع الواحد، ضمن أسرة إنسانية واحدة، مبنية على أساس متين رسمه لنا ربنا تبارك وتعالى بقوله: "( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )".
فنحن في هذا الوطن الغالي على قلوبنا، أسرة واحدة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فحب الله يجمعها وحب هذا الوطن وقائده يجمعنا، دون النظر إلى أصل أو جنس أو لون أو دين.
وليكن كل واحد منا على ثغرة من ثغور هذا الوطن، فلا يؤتين من قبله، وليكن كل واحد منا جنديا من جنوده، الأوفياء الذين يذودون عن حماه بأرواحهم وأبدانهم، ليكن كل واحد منا مشروع شهادة دفاعاً عن دينه ووطنه وأمنه واستقراره لسان حاله كما قال الشاعر:-
فالله الله في أمننا واستقرارنا، فهذا الوطن أمانة في أعناقنا جميعا يجب علينا أن نحافظ على أمنه واستقراره.
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺟﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺁﻣﻨﺎً ﻣﻄﻤﺌﻨﺎً ﺳﺨﺎﺀً ﺭﺧﺎﺀً ﻭﺳﺎﺋﺮﺑﻼﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻣﻦ أرادنا ﺑﺸﺮ ﻓﺄﺷﻐﻠﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺭﺩ ﻛﻴﺪﻩ ﻓﻲ ﻧﺤﺮﻩ
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻻ ﺗﺆﺍﺧﺬﻧﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﺴﻔﻬﺎﺀ ﻣﻨﺎ
ﺍﻟﻠﻬﻢ أحفظنا وأحفظ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦﻛﻞ ﺷﺮ ﻭﺑﻠﻴﻪ
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺁﻣﻴـــــــﻦ ﻳﺎ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ
* الكاتب أمين عام دائرة الإفتاء العام / بالوكالة