jo24_banner
jo24_banner

التعري.. احتجاجا!

حلمي الأسمر
جو 24 :

اعتدت ان أخصص هذه الاستراحة يوم الجمعة لقضية اجتماعية، بعيدا عن السياسة وهمومها الكثيرة، التي اشعر في غالب الأحيان أننا نقضي وقتا عبثيا في الركض وراء أخبارها بلا جدوى، فنحن لا نرى عادة مما يجري إلا ما يراه المرء من جبل الجليد، أما بقية المعلوم، فيجري في الغرف المغلقة، حدثني احد الساسة السابقين.. السابقين ممن يعتبرون من المخضرمين، أنه كان يضحك ملء فيه من مطالعة بعض الأخبار التي تتحدث عن لقاء هذا السياسي بذاك، حيث يقول خبرهم أن «فلانا التقى فلانا، وبحثا العلاقات الثنائية، والقضايا ذات الاهتمام المشترك!» وطبعا كان يظن القارىء أن ما يشغل بال السياسييْن الاثنين قضايا كلا بلديْهما وما يهم مواطنيهما، أما الحقيقة فهي مكان آخر، يقول لي هذا المخضرم، ان الحديث كان يدور في معظمه عن المنشطات الجنسية، وأحدث الأدوية في هذا المجال، ما يعني أن «القضايا ذات الاهتمام المشترك» لم تكن كما يحسب المواطن، خاصة إذا كان السياسيان ممن أعمارهم بين الخمسين والستين، أو يزيد، وطبعا هذه القضايا ذات الاهتمام المشترك من صلب الاهتمامات الوطنية، لأن صحة السياسي ولياقته جزء مهم من كرامة الوطن، وأدائه الذكوري الفاعل، هكذا كان يحدثني صديقي المخضرم!.

لا أدري لم يجرني هذا البوح من صديقي المخضرم إلى ما يشبه الظاهرة في المشهد السياسي- الاجتماعي، وهو نزوع بعض النساء إلى التعري احتجاجا على موقف سياسي ما، كما فعلت فتاة مصرية تدعى علياء المهدي غير مرة، وكما تفعل نساء أوكرانيات وغربيات، وسألت نفسي: ما علاقة التعري بالسياسة؟ هل تريد هاته النسوة أن يلقننا درسا بالصراحة مثلا؟ فيكشفن عن كل «المستور» مرة واحدة، باعتبار أن الساسة عادة ما يتجملون إلى حد إخفاء كل شيء عن شعوبهم؟ أم أنهن يسعين للفت الأنظار فحسب، فيرتكبن هذا الفعل الفاضح لاستفزاز عدسات المصورين؟ أم أنهن يردن أن يقلن أنهن «أشرف» ممن يكذب على شعبه، فيبدو في صورة ما، وهو في حقيقته غيرها؟.

حسنا.. لنطرح الأسئلة بشكل مختلف، أيهما أصدق، السياسي الذي يلبس كل يوم قناعا، أم تلك التي المرأة التي ترمي كل «أقنعتها» مرة واحدة، فلا تخفي عن العيون ما أمر الله تعالى، ثم العرف والعادات، إخفاءه؟ أم أن المقارنة كلها خطل وخطأ و»خربطة» ظالمة؟ لا أدري على وجه التحديد، ما مدى وجاهة المقارنة برمتها، ولكنني منفعل قليلا مما يجري، خاصة وأن الذوق السليم يرفض اعتماد التعري سلوكا للتعبير عن الرأي، وهو مهين بحد ذاته لجسد المرأة، لكن الأكثر إهانة هو اعتماد السياسي مهما كان انتماؤه للكذب والتدليس والهمبكة اسلوبا للتعاطي مع الناس، باعتبارهم لا يستحقون المكاشفة والبوح، أو أن ما يقترفه السياسي مخز ومخجل، وبالتالي فلا بد من إخفائه عن العامة، كما نخفي عوراتنا!.

أخيرا..

التعري احتجاجا، ربما يكون نزوعا إلى سيرتنا الأولى، حينما كنا نحن البشر في زمن غابر نركض في الغابات بلا ملابس، ولعل هذا ما يفعله منظمو مهرجانات العري في بعض البلاد الغربية، بعد أن «ملوا» من الأستار والملابس، فغدت «عبئا» عليهم، فجعلوا يوما سنويا للتعري «ملط» بالكامل، وربما احتجاجا على الإسراف في الاختفاء وراء الأقنعة والأكاذيب!.
(الدستور )

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير