زوابع مؤتمر إسطنبول!
الزوابع التي أثارها مؤتمر اسطنبول لفلسطينيي الخارج لم تهدأ بعد، ويبدو أنها لن تهدأ، خاصة وأن المؤتمر لم يكن كما توقع الكثيرون أن يكون مجرد تظاهرة خطابية، ينفض المؤتمرون بعدها وينسون القصة!
آخر تلك الزوابع ما كتبه مستشرقان صهيونيان بارزان في مقال مشترك نشرته صحيفة هارتس العبرية، في عددها الصادر أمس الأحد، حيث توقفا عند دلالات وتداعيات المؤتمر، إذ حذر البروفيسور إيلي فودا، أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق الأوسطية في الجامعة العبرية والدكتور عيدان زوكلبيتش، أستاذ الدراسات الشرقية في «كلية عيمك يسرائيل» من التداعيات «بالغة الخطورة» لمؤتمر اسطنبول، لكونه ينذر بتحول تاريخي على طابع قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، معتبرين أن نوعية الحضور وكثافتهم وطابع مطالبهم تدلل على أن قيادة «متطرفة» ستنتزع تمثيل الشعب الفلسطيني من القيادة «المعتدلة» ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية(!)
وعلى الرغم من تأكيد فودا وزوكلبيتش أن منظمي المؤتمر لم يتبنوا أية أجندات حزبية أو فصائلية خاصة بالتنظيمات الفلسطينية، إلا أنهما يشيران إلى أن القرارات التي صدرت عن المؤتمر تصب بشكل غير مباشر في مصلحة حركة حماس، على اعتبار أن هذه القرارات تنسجم مع الخط السياسي للحركة. وقال أيضا أن مؤتمر اسطنبول يهدد بتكريس سقف جديد ومتطرف للحركة الوطنية الفلسطينية يتمثل في رفض حل الدولتين والمطالبة بدولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني. إلى ذلك، وجه فودا وزوكلبيتش انتقادات لاذعة للحكومة الإسرائيلية التي لم تفطن لدلالات انعقاد المؤتمر، حيث أشارا إلى أن تعطل العملية التفاوضية والطريق المسدود التي وصلت إليها جهود التسوية السياسية للصراع ساعد «المتطرفين» في الجانب الفلسطيني، مما ينذر بإضفاء شرعية على المواقف المتطرفة التي صدرت عن المؤتمر!
كما حث المستشرقان حكومة تل أبيب على الإسراع في التوصل لتسوية سياسية سواء أكانت ذات طابع ثنائي أم إقليمي لسحب البساط من تحت منظمي مؤتمر اسطنبول، محذرين من أن إسرائيل ستكون على رأس الخاسرين من انهيار مكانة القيادة الحالية لمنظمة التحرير. وشدد كل من فودا وزوكلبيتش على أن الأمور باتت واضحة وأن الحكومة الإسرائيلية في حال لم تبادر للفعل من أجل تغيير الواقع «فبوسعها فقط لوم ذاتها».
وقبل هذا، أطلق القيادي الفلسطيني جبريل الرجوب تصريحا مماثلا، حين قال إن ما جرى في اسطنبول «شجعنا لعمل مراجعة شاملة لعلاقتنا بالجاليات الفلسطينية في الشتات وعمل مفهوم واحد لدورها. هل هي عامل إسناد لنا من خلال مؤسساتها وعلاقاتها في الدول التي تعيش فيها أم هي عنصر ضاغط على القيادة الفلسطينية في الوطن، هذا موضوع يجب حله بجدية»!
مؤتمر اسطنبول إذاً لم يكن ظاهرة صوتية، ولم يعقد ليناكف القيادة الفلسطينية الحالية، بل هو صوت نحو نصف أبناء الشعب الفلسطيني الذي غيب طويلا، وعاد ليدق جدران الخزان بقوة، ليس ليكون بديلا عن منظمة التحرير لفلسطينية، كما قيل، بل ليعيد لقضية فلسطين ألقها، ويموضعها مجددا ليس في أجندة العرب فحسب، بل في الأجندة الدولية، بعد أن فقدت مكانتها في العقل الجمعي العربي والعالمي، وتقزمت حتى صارت مضغة في أفواه المفاوضين ومستثمري النضال!
الرهان الآن على قدرة المؤسسات التي تمخض عنها المؤتمر في مواصلة تنفيذ مقرراته، واستثمار الثقل الفلسطيني في الشتات، كي يكون رقما صعبا على أي طاولة تبحث مستقبل فلسطين!