طيران الأسد يكثف الغارات على محيط دمشق
شن الطيران الحربي السوري امس غارات على مناطق في محيط دمشق تزامنا مع اشتباكات بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين، غداة تفجير سيارة مفخخة في شمال العاصمة السورية ادى الى مقتل 11 شخصا.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان امس ان اطراف مدينة دوما الواقعة الى الشمال من العاصمة، تعرضت لقصف من الطائرات الحربية التي استهدفت ايضا مدينة داريا (جنوب غرب) التي تشهد اشتباكات. وتواصل القوات النظامية استقدام تعزيزات الى المدينة التي تحاول منذ اسابيع السيطرة عليها.
واعلنت صحيفة «الوطن» السورية المقربة من نظام الرئيس بشار الاسد في عددها امس ان الجيش النظامي «حسم فجر الخميس معركته مع الارهابيين في مدينة داريا بريف دمشق ودمر ما تبقى من اوكار لمسلحيهم واوقع ارهابيي جماعة النصرة بين قتيل وجريح ومستسلم».
وتوقعت الصحيفة اعلان المدينة «آمنة» ، مشيرة الى ان محور دمشق الجنوبي «بات آمنا»، علما انها ليست المرة الاولى تعلن فيها وسائل اعلام موالية «تطهير» مناطق يتحصن فيها المقاتلون.
كذلك، افاد المرصد عن تعرض بساتين بيت سحم وعقربا القريبة من طريق مطار دمشق الدولي للقصف من القوات النظامية بعد اشتباكات ليلية مع مقاتلين معارضين. وقال المرصد ان المقاتلات الحربية قصفت ايضا «المنطقة الواقعة بين يبرود والنبك»، مشيرا الى ان «انفجارين شديدين هزا مدينة النبك»، نتج احدهما عن «سيارة مفخخة استهدفت مقر المخابرات العسكرية».
وفي حمص، اغار الطيران على منطقتي جوبر والسلطانية، تزامنا مع اشتباكات في بلدة قلعة الحصن في محافظة حمص التي تتعرض للقصف، بحسب المرصد. من جهتها، قالت وكالة الانباء الرسمية السورية (سانا) ان القوات النظامية «دمرت عددا من تجمعات واوكار الارهابيين بما فيها في بلدة الحصن في ريف تلكلخ». من جهة ثانية، أفاد المرصد السوري بأن عدة انفجارات هزت محيط فرع الأمن السياسي في مدينة دير الزور. وذكر المرصد أن الانفجارات تزامنت مع إطلاق نار،ولم ترد معلومات حول حجم الخسائر.وأضاف أن مدن وبلدات الباب والبزاعة وعندان وتادف بريف حلب تعرضت للقصف من قبل القوات النظامية .
وتأتي هذه الاحداث غداة مقتل 191 شخصا جراء اعمال العنف في مناطق مختلفة، بحسب المرصد في مختلف المناطق السورية.ومن الضحايا 11 شخصا قضوا في تفجير سيارة مفخخة في حي مساكن برزة في شمال العاصمة في وقت متقدم ليل الخميس، ووقع في محطة وقود قاسيون، بحسب المرصد.
كذلك، افاد المرصد ان مقاتلين ليبيين اثنين وثلاثة هم فلسطيني وسعودي وتركي، قتلوا الخميس «خلال اشتباكات مع القوات النظامية في محيط معسكر وادي الضيف في ريف معرة النعمان» في محافظة ادلب . وبعد الكشف عن مقتل استرالي كان يحارب الى جانب المعارضة السورية، حذرت استراليا امس مواطنيها من القتال في سوريا لانهم قد يواجهون عقوبة بالسجن. وقال المتحدث باسم الخارجية بوب كار ان حكومة بلاده تلقت انباء عن مشاركة اكثر من 100 من مواطنيها في النزاع المستمر منذ 21 شهرا، من دون «اثبات» على تورطهم.وذكر ببنود قانون العقوبات الذي «يحظر التوجه الى دولة اجنبية بنية الانخراط في اعمال حربية». واضاف «العقوبة هي السجن 20 عاما. كما ان اي استرالي يجند اشخاصا للقتال في الخارج يحكم بالسجن سبع سنوات».
وردا على اعتبار لجنة محققي الامم المتحدة ان النزاع في سوريا بات طائفيا، اعتبرت وزارة الخارجية السورية في رسالة الى المفوضية العليا لحقوق الانسان ان اللجنة «اكدت مرة اخرى في هذا التقريرعلى عدم مهنية اوحيادية عملها»، وانسجام نتائجها»مع التوجهات السياسية لدول بعينها». وتابع البيان «من المؤسف ادعاء اللجنة انها استقت معلوماتها بشكل مباشر من (الضحايا)، في حين يعج التقرير بادلة واضحة على استخدام معلومات غير موثقة قدمتها منظمات غيرحكومية، وفي احيان اخرى ... دول متورطة بشكل مباشر بالازمة السورية وذات مصلحة مباشرة في تأجيج الوضع لتحقيق مكاسب ذاتية على حساب دم الشعب السوري»، من دون ان تسمي هذه الدول.
واعتبر محققو الامم المتحدة في تقريرهم ان النزاع المستمر في سوريا منذ 21 شهرا، اصبح «طائفيا بشكل واضح» لا سيما بين الغالبية السنية والاقلية العلوية، ويهدد»طوائف واقليات باكملها» كالارمن والمسيحيين والدروز.
سياسيا، اعلن السفير الباكستاني في الامم المتحدة الخميس امكان عقد لقاء جديد «الاسبوع المقبل» بين الاخضر الابراهيمي ومسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا للبحث عن حل للنزاع السوري . وكان الابراهيمي التقى في التاسع من كانون الاولالماضي في جنيف نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية وليام بيرنز. واشار السفير الباكستاني مسعود خان خلال عرضه امام الصحافيين برنامج الرئاسة الباكستانية لمجلس الامن في كانون الثاني الى ان «ثمة اتصالات جديدة، جهد جديد مبذول حاليا». وقال «نأمل ان يعقد اجتماع ثلاثي الاسبوع المقبل بين موسكو، واشنطن والابراهيمي».وردا على سؤال بشأن «خطة» الابراهيمي لانهاء النزاع، اعتبر السفير الباكستاني ان «كلمة خطة اكبر من حجمها» الا ان الوسيط «يريد تحقيق تقدم دبلوماسي». ولفت الى ان الابراهيمي «يريد ان تكون الحكومة السورية من بين المتحاورين».
في غضون ذلك، يرى محللون ان الاسد قد ينسحب كخيار اخير الى المنطقة العلوية في غرب سوريا ليتابع معركته من هناك، وان خيار التسوية ليس مطروحا بالنسبة اليه، رغم سقوط اكثر من ستين الف قتيل في النزاع.
وتقول انياس لوفالوا، الخبيرة في شؤون الشرق الاوسط ومقرها باريس ان الاسد «متشبث بالسلطة حتى النهاية .... لا يزال يعيش في منطقه الخاص الذي يستند الى كسب الوقت لكي ينجو بنفسه... ليس باستعادة السيطرة على مجمل الارض التي خسرها جيشه، انما بالبقاء على جزء من هذه الارض مثل دمشق و حمص الاستراتيجية (وسط البلاد)، وبالتالي امكانية الانتقال الى جبل العلويين».
ويرى الباحث اندرو تايبلر من معهد واشنطن للدراسات(واشنطن اينستيتيوت) «ان النظام سيضطر قريبا الى الانسحاب من الشمال والشرق، ولو ان ذلك سيتم بثمن مرتفع جدا مثل رفع وتيرة التصعيد باستخدام مزيد من المدافع والصواريخ وربما الاسلحة الكيميائية». ويؤكد النظام منذ منتصف الصيف الماضي ان معركة دمشق انتهت، ويكرر منذ اكثر من شهر انه يتجه الى تطهير المناطق المحيطة بها من «الارهابيين». لكن المعارك العنيفة تتواصل في ريف العاصمة الذي يستخدمه مقاتلو المعارضة كقاعدة خلفية لعملياتهم فيها حيث نجحوا في الابقاء على جيوب مقاومة في احيائها الجنوبية، وفي تنفيذ عمليات تفجير دموية في احياء اخرى.
وفي حين ترى لوفالوا ان في امكان النظام ان يصمد في دمشق اشهرا اضافية قبل النظر في خيار المنطقة العلوية، يوافق تايبلر ان «الخيارات المتاحة اليوم امام الاسد هي البقاء في دمشق ومحاولة استعادة المناطق التي خسرها قدر الامكان .. او اقامة منطقة ذات غالبية علوية على الساحل السوري».
وتعرف سلسلة الجبال الممتدة بين محافظتي اللاذقية وطرطوس (غرب) والتي تشكل امتدادا للساحل السوري، بـ «جبل العلويين». ويروي العديد من السوريين الذين رفضوا الكشف عن اسمائهم ان كل انواع الاسلحة تتكدس في جبل العلويين منذ سنوات طويلة، وليس فقط منذ بدء النزاع الحالي. ويؤكد الخبراء ان الجبل يضم مخزونا ضخما من الاسلحة، وان الاسد لم يستنفد بعد كامل قدرات جيشه ونظامه.
وتقول لوفالوا «كان في امكان الاسد ان يستغل وجود الابراهيمي في دمشق ومبادرة الروس للحصول على فرصة للحوار. لكنه على العكس مارس عنفا اكبر خلال هذا التحرك الدبلوماسي. يرى انه قادر على الانتصار، وبالتالي، لا يشكل الحوار او التفاوض حول الرحيل خيارا بالنسبة اليه».
وتضيف «اذا رفض مبادرة الابراهيمي، فهذا يعني انه اما منفصل عن الواقع ولا يزال يعيش في عالمه الخاص وفقد تماما حس الواقع، واما انه متأكد من ان ميزان القوى على الارض لا يزال يؤمن له القدرة للاستمرار».
ويؤكد الخبير في الشؤون السورية بيتر هارلينغ من مجموعة الازمات الدولية (انترناشونال كرايزيس غروب) ان «النظام اعتمد منذ بداية الازمة منطقا يقول انه يدافع عن نفسه وعن البلاد في مواجهة اعتداء لا يبقي له خيارا آخر. بالنسبة الى النظام، العنف لا ياتي منه انما من مؤامرة هو مضطر لمواجهتها. وبالتالي الحلول لن تاتي منه انما من اعدائه عندما سيدركون ان الثمن الذي سيدفعونه للتغيير اكثر من باهظ، وعندها سيستسلمون».ويضيف «النظام عزل نفسه عن كل مخرج آخر وهو غير قادر على التخلي عن هذا المنطق».
الا ان هارلينغ يشير الى ان «النظام لا يزال قويا في نواته الصلبة التي تحتفظ بتماسكها وقدرتها على التدمير رغم الخسائر. سيواصل التصعيد كما يفعل منذ حوالى سنتين على امل ان يعرض طرف ما، مخرجا يأخذ في الاعتبار مصالحه». وتقول لوفالوا ان الاسد يمضي «في منطق الارض المحروقة، ولو سقط 300 الف قتيل».
(وكالات + الجزيرة )