عن زيارة السيد الرئيس الخاطفة لبيت لحم
أسابيع والقوم ينظفون في المدينة (بيت لحم)، بما في ذلك كنيستها (المهد)، لتكون لائقة باستقبال زعيم الدولة الكبرى في العالم. وفيما كانت الخطة تقضي بأن تستمر الزيارة 3 ساعات (ساعات نكرر)، تم اختصارها إلى أقل من ساعة، ولم تشمل الكنيسة، وعاد الضيف أدراجه إلى عاصمة دولتنا العتيدة (القدس)، ولكن بحراسة الاحتلال!!
خيبة بالطبع، لكن بقاء الخطة على ما كانت عليه، لم يكن ليغير أي شيء في دلالة الزيارة، إن كان في شقها الأكبر ممثلا في زيارة الكيان الصهيوني، أم في "الفاصلة” ممثلة في زيارة بيت لحم، أو مناطق السلطة كما يقال.
في البيان الأول للبيت الأبيض، تم وصف محمود عباس بـ”رئيس فلسطين”، لكن بيانا تاليا استدرك (بعد احتجاج كما يبدو)، فتم تغيير المسمى إلى "رئيس السلطة الفلسطينية”؛ فحتى المصطلحات لا تفوت السادة الصهاينة.
هناك في الشق الأكبر من الزيارة، أغدق الرئيس الأمريكي الثناء على الكيان الصهيوني، وزار حائط البراق (المبكى بحسب تسميتهم)، في خطوة هي الأولى من نوعها لرئيس أمريكي أثناء ولايته (زارها بعض أسلافه قبل الولاية أو بعدها)، الأمر الذي له دلالته الكبيرة على الموقف من المدينة المقدسة.
في بيت لحم، أعاد الرئيس محمود عباس تكرار مقولاته التقليدية عن السلام والدولة التي عاصمتها القدس، والعيش بسلام مع الجيران، وأغدق المديح على الضيف العزيز الذي لم يتفضل بذكر حل الدولتين، ولا بمصطلح الدولة الفلسطينية، بل تحدث عن السلام بكلام عمومي، يبدو أن مستشاريه قد صاغوه جيدا، بحيث لا ينطوي على أي موقف.
في المقابل تحدث ترامب عن الجانب الاقتصادي مبشرا بـ”إطلاق طاقات الاقتصاد الفلسطيني”، وهي النقطة التي تستحق التوقف، ذلك أنها تؤكد لنا أن لا شيء سيتغير في المسار العام للقضية، فالتركيز هو على بقاء السلطة قائمة بإدارة السكان والتعاون الأمني، فيما يأملون في أن يتم لاحقا، سواء في القريب أم المتوسط، وعبر تفاهمات مع بعض العرب تكريس هذا الواقع بحل "مؤقت”، أي دويلة في حدود الجدار، وليتحول النزاع بعدها إلى نزاع حدودي.
المعلقون الصهاينة، ومنهم سياسيون كبار، كتبوا في ذات اليوم الذي حل فيه ترامب في بيت لحم عن استحالة الحل السياسي، وكرروا ذات الكلام عن الحل المؤقت، بطرائق شتى، مع القول إن الوقت هو وقت محاربة الإرهاب وكذلك لمواجهة إيران التي دخلت في مرحلة ابتزاز؛ ليس من أجل العرب، وإنما من أجل الكيان الصهيوني.
لا جديد إذن في زيارة ترامب، ولا في وعوده السلمية، وهو مثل غيره لن يفعل الكثير، كما إنه لا جديد أيضا في سلوك السلطة، ولا في برنامجها، وإن استمر قادتها في الحديث عن الثوابت إياها، مع العلم أننا لا ندري حقيقة ما دار بين عباس وبين ترامب خلال اللقاء الثنائي، حيث قيل إنه سيقدم له عرضا سخيا في مسألة تبادل الأراضي تصل 6%، على أمل إعادة المفاوضات إلى النقطة التي توقفت فيها مع أولمرت قبل عقد من السنين، مع العلم ان تلك المفاوضات كما كشفتها الوثائق المسربة لم تعكس أي تنازل؛ لا في قضية القدس ولا اللاجئين.
والخلاصة أن حالة التيه التي تعيشها القضية منذ 2004 لم تتغير، وإذا بقيت على هذا الحال، فيمكن القول إن الأمر سيكون أقل كارثية من تمرير ما يسمى الحل الانتقالي بشرعية عربية. هكذا يكون وقف الانهيار هو غاية المنى في زمن البؤس!!
الدستور