هل تبقى "نقابة المهندسين" للمدنيين والمعماريين فقط؟!
هشام عبد الفتاح خريسات
جو 24 :
يبلغ تعداد المهندسين المدنيين والمعماريين قرابة خمسين الف مهندس ومهندسة من اصل حوالي ١٤٠ الف مهندس هم اعضاء نقابة المهندسين اي حوالي ٣٥٪ من مجمل المهندسين فيما يشكل المهندسون الميكانيكيون والكهربائيون والكيماويون والتعدينيون حوالي ٦٥٪.
اذا استثنينا المهندسين العاملين في القطاع العام والشركات الكبرى والعاملين في الخارج من كل التخصصات، فإن غالبية المهندسين المدنيين والمعماريين يعملون في قطاعي الاستشارات والمقاولات، وغالبية التخصصات الاخرى تعمل في القطاعات الصناعية والتجارة الهندسية والصيانة والخدمات وقطاعات خاصة صغيرة ومتناثرة.
ولاسباب تتعلق بنشأة النقابة قبل ستين عاماً تقريباً وطبيعة مجالات الممارسة الهندسية في الاردن فقد كانت الهندسة المدنية والمعمارية تشكل العمود الفقري للعمل الهندسي متمثلة في القطاع الاستشاري الذي تشرف عليه هيئة المكاتب الهندسية منذ اكثر من ربع قرن، وبقطاع المقاولات الذي تشرف عليه وزارة الاشغال وتنسق بشكل وثيق مع النقابة فيما يتعلق بتسجيل المهندسين العاملين فيه وتوثيق عقودهم وتدقيق رواتبهم واعدادهم.
اما القطاعات الاخرى في القطاع الخاص والتي يعمل فيها عشرات الالاف من المهندسين الميكانيكيين والكهربائيين فلا يوجد اية رقابة تذكر للنقابة عليها من حيث تشغيل المهندسين الاعضاء في النقابة او اعدادهم او رواتبهم، فاصبح الانتساب للنقابة لكثير من المهندسين في هذه التخصصات محل نظر وسؤال عن الجدوى والفائدة والاثر؟!
ومن المعروف ان الهدف الاول والرئيسي من تأسيس نقابة المهندسين الاردنيين قبل نحو ستين عاماً هو تنظيم مزاولة مهنة الهندسة في الاردن.
ويمكن تفصيل وترجمة هذا الهدف عملياً الى ثلاثة محاور، اولها حصر مجالات الممارسة الهندسية على اعضاء النقابة فقط، وثانيها تشغيل العدد الكافي من اعضاء النقابة حسب تخصصاتهم في المؤسسات والشركات التي تزاول مهنة الهندسة تبعاً لاحتياجاتها وحجم اعمالها، وثالثها ضمان العيش الكريم لاعضاء النقابة وفق محددات اهمها توفير الحد الادنى المقبول من الراتب الذي تمنحه هذه المؤسسات.
وقد عالج قانون نقابة المهندسين الاردنيين رقم ١٥ لسنة ١٩٧٢ وتعديلاته المحور الاول في المادة ٢٠ أ جزءاً من المحور الاول بحيث حصر مزاولة المهنة فقط بعضو النقابة، كما عالج الجزء الآخر في المادة ٢٠ ب حيث حدد ممارسته للمهنة حسب تخصصه وفي المجالات التي يحددها نظام ممارسة المهنة.
وبالطبع فقد اسهب نظام ممارسة المهنة رقم ٢٢ لسنة ١٩٩٩ وتعليمات ممارسة المهنة رقم ١ لسنة ٢٠٠٢ والصادرة بالاستناد الى احكام المادة ٧ من نظام ممارسة المهنة آنف الذكر؛ اقول اسهب النظام والتعليمات في تفصيل مجالات ممارسة المهنة وتخصصات وفروع المهندسين حسب شعبهم المختلفة.
اما عن المحور الثاني المتعلق بتشغيل الاعداد الكافية من المهندسين فقد ذكرت المادة ٢٥ أ/١ من قانون النقابة على استحياء تشغيل مهندس واحد لكل مقاولة تزيد عن ١٥٠ الف دينار ثم يزداد العدد طردياً بقرار من وزير الاشغال وتنسيب من مجلس النقابة، فيما نصت المادة ٦ ج من نظام ممارسة المهنة على التعاون والتنسيق بين النقابة والشركات الهندسية لتحديد الحد الادنى من اعداد المهندسين العاملين فيها، اما تعليمات ممارسة المهنة فقد افاضت في المادة ٣٢ في تحديد الحد الادنى لاعداد المهندسين رابطة ذلك برأس مال الشركة او قيمة مبيعاتها لتتعدى قطاع المقاولات الى قطاعات الصناعة والصيانة والتجارة الهندسية متجاوزة مجالات المهندسين المدنيين والمعماريين الى التخصصات الاخرى الميكانيكية والكهربائية والكيماوية.
وبخصوص المحور الثالث المتعلق بالحد الادنى من الرواتب للمهندسين ففي حين نصت المادة ٦ ب من نظام ممارسة المهنة على (استرشاد) الجهات المختصة برأي النقابة عند دراسة تحديد الحد الادنى للاجور وهو نص غاية في الضعف والركاكة، الا ان تعليمات ممارسة المهنة في المادة ٣٣ قد حددت بدقة وبالرقم الحد الادنى لاجور المهندسين الشهرية مرتبطة بعدد سنوات التخرج.
ومما سبق كله فيتضح ان التشريعات القانونية سواء قانون النقابة او نظام ممارسة المهنة او تعيمات الممارسة قد غطت بشكل مقبول المحاور الثلاثة التي اشرنا اليها في بدء حديثنا .. اذاً فأين الخلل؟!
لماذا تقوم شركات هندسية بتشغيل غير المهندسين الاعضاء في مجالات هندسية؟!
ولماذا لا تشغل الاعداد الكافية من المهندسين حسب القانون والنظام والتعليمات؟!
ولماذا يتقاضى المهندسون في سوق العمل اقل بكثير من رواتب الحد الادنى التي حددتها تعليمات ممارسة المهنة؟!
الحواب ببساطة هو الخلل في تطبيق المادة ٢٥ أ/٢ والمادة ٢٥ ب من قانون النقابة والتي تلزم المؤسسات والشركات التي من غاياتها ممارسة المهنة وهذا يشمل الشركات الصناعية وشركات التجارة الهندسية وشركات الصيانة وغيرها من مجالات الممارسة ولا يحصرها فقط بقطاعي الاستشارات والمقاولات؛ هذه المادة القانونية تلزم الشركات بتزويد النقابة باسماء المهندسين العاملين لديها خلال شهر واحد وتعاقب بغرامة عشرة دنانير عن كل يوم تتأخر فيه بالاعلام عن اي مهندس عامل لديها.
تطبيق هذه المادة يحقق المحاور الثلاث المطلوبة اذ يتم التأكد من عضوية المهندس في النقابة وسريانها وتسديده لالتزاماته، ويتم التأكد من تشغيل الحد الادنى من المهندسين حسب رأس مال الشركة ومبيعاتها وعقود مقاولاتها، كما يمكن النقابة من الاطلاع على عقود المهندسين وتوثيقها والتأكد من انهم يتقاضون الحد الادنى من الاجور حسب النظام والتعليمات.
ولتطبيق هذه المادة القانونية اقترح ان يتم النص بمادة صريحة في نظام ممارسة المهنة على انه (لا يتم تجديد الترخيص السنوي من قبل الجهات الرسمية المختصة لاي مؤسسة او شركة تزاول اي مجال من مجالات ممارسة المهنة الهندسية الا بعد مصادقة نقابة المهندسين على التزامها بقانون النقابة ونظام ممارسة المهنة وتعليماتها).
ان اضافة مثل هذه المادة القانونية الى نظام ممارسة المهنة الصادر بارادة ملكية سامية وليس الى تعليمات الممارسة الصادرة بقرار مجلس النقابة فقط يمكن النقابة من التدقيق على جميع الشركات المشغلة للمهندسين وتدقيق عقودهم ورواتبهم بجميع اختصاصاتهم ورفع الظلم عنهم وايقاف ما يحدث من هضم لحقوقهم وخصوصاً مهندسي اختصاصات الميكانيك والكهرباء والكيماوي والتعدين.