16 حزبا اسلاميا
انشقاق رئيس حزب النور السلفي واتجاهه إلى تأسيس حزب جديد باسم الوطن يشجعنا على فتح ملف السلفيين والسياسة في مصر، الأمر الذي يقودنا إلى التطرق لخبرة الجماعات ذات المرجعية الإسلامية في الساحة السياسية.
إلا أنني أسجل قبل أي كلام أن عودة المصريين إلى السياسة بعدما أقيلوا واستقالوا منها منذ نصف قرن على الأقل تعد تطورا مهما يحسب لثورة 25 يناير التي أعادت الوطن إلى أهله كما أعادت الأخيرين إلى السياسة.
اتصالا بذلك، فإنني أعتبر تعدد الأحزاب السياسية وكثرتها أمرا إيجابيا، لأنه من آيات تلك العودة المحمودة إلى السياسة، ولا ينبغي أن تقلقنا الظاهرة ما دام الجميع سيحتكمون في نهاية المطاف إلى صناديق الانتخاب في ظل انتخابات حرة ونزيهة.
وبالمناسبة فقد كان محزنا وموجعا ما أشاعه بعض غير الفائزين في أعقاب الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور من أن العمليتين شابهما التزوير، الذي ادعوا بأنه لولاه لتغيرت النتائج. وهو ما ذكرني بحالة الراسبين في الامتحان الذين يسارعون بمجرد إعلان النتيجة إلى اتهام المصححين بالتدليس والتحيز.
بانشقاق الدكتور عماد عبدالغفور وتأسيسه لحزبه الجديد صار لدينا في مصر 16 حزبا لها مرجعيتها الإسلامية. تسعة منها تم إشهارها من الناحية القانونية والسبعة الأخرى تحت التأسيس. الأحزاب التسعة هي: الحرية والعدالة ـ النورـ الوسط ـ البناء والتنمية ـ مصر القوية ـ الأصالة ـ الفضيلة ـ الإصلاح والنهضة ـ العمل.
أما السبعة التي تحت التأسيس فهي أحزاب: السلام والتنميةـ التغيير والتنمية ـ مصر البناء ـ الإصلاح. التوحيد العربي ـ الأمة ـ الوطن (الحزبان الأخيران أعلن عنهما في الأسبوع الماضي).
الأحزاب المقابلة ـ التي توصف بأنها مدنية ـ تعذر عليّ إحصاؤها، وحين سألت من هو أخبر مني بها قال لي إنها في حدود سبعين حزبا، يجرى التنسيق بينها الآن من خلال مكتب أنشئ لهذا الغرض، في إطار ترتيب الأوراق قبل الانتخابات التشريعية القادمة.
لدي خمس ملاحظات أساسية على الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. الأولى أنها ليست أحزابا سياسية خالصة، لكن مرجعيتها فرضت عليها أن تكون دعوية أيضا. وهذه المسئولية المزدوجة تفرض عليها موازنة مستمرة بين ما هو سياسي وما هو دعوي، وفي أحيان عدة تعذر تحقيق تلك الموازنة، الأمر الذي اقتضى التضحية بالسياسة أحيانا وبالدعوة في أحيان أخرى.
الملاحظة الثانية أن تلك الأحزاب بينها ما هو حديث عهد بالسلطة وما هو حديث عهد بالسلطة والسياسة معا. الأمر الذي يضعف من أدائها السياسي ويورطها في منزلقات لم تكن في حسبانها. والسبب في ذلك الضعف أن الأحزاب الإسلامية ظلت طول الوقت إما مغيبة عن ساحة الفعل السياسى أو مقيدة ومحجوبة داخل السجون والمعتقلات. وفي الحالتين فإن قياداتها وعناصرها عاشت في السراديب أكثر مما عاشت فوق سطح الأرض. وحاورت نفسها أكثر مما تحاورت أو تفاعلت مع غيرها.
الملاحظة الثالثة متفرعة عن السابقة وتتلخص في أن ضعف خبرتها لم يكن مقصورا على مجالي السلطة والسياسة، وإنما شمل أيضا رؤيتها وعلاقتها بالعالم الخارجي. وذلك بدوره أمر مفهوم. ذلك أن الذين عاشوا في السراديب ولم يحاوروا غيرهم، لا يتوقع منهم أن يكونوا على دراية بمحيطهم وبالخرائط والتطورات الحاصلة في العالم الخارجي.
ملاحظتي الرابعة ـ الأهم ـ أنني لا أخفي دهشة واستياء من ذلك التنافس بين أصحاب المرجعية الدينية على تشكيل الأحزاب السياسية والتمثيل في البرلمانات والحكومات وغير ذلك من الوجاهات التي على رأسها الحضور الإعلامي. ويحضرني في هذا الصدد نموذج الداعية التركي فتح الله كولن، الذي خرج من عباءة حركة النور (أيضا!) لمؤسسها ورائدها الشيخ سعيد النورسي المتوفى سنة 1960. ذلك أن كولن كرس حياته للدعوة والتربية وعزف تماما عن المشاركة في الحياة السياسية، وامتدت أنشطة جماعته إلى مختلف أنحاء العالم، حيث أنشأت أكثر من ألف مدرسة في الشرق والغرب (لهم مدرسة في مصر)، بالتالي فإنه خدم المعرفة وخدم الإسلام بأفضل مما قامت به جميع الأحزاب الإسلامية في مصر.
الملاحظة الخامسة تخص الأحزاب السلفية التي لها مشروع وإطار فكري واحد. لذلك فإن العلاقة مع الحزب لا تقوم على أساس البرنامج، ولكنها تنبني على علاقة الشيخ بالمريدين. إن شئت فإن خلافها الحقيقي هو بين أشخاص وليس أفكارا، الأمر الذي يضعف بنيانها ويعرضها للانفراط والتفكك إذا ما خطر لأحد من المريدين أن يتمرد على شيخه، كما حدث في حزب النور الذي ضاقت بعض قياداته بشيخهم الدكتور ياسر برهامي، فلم يجدوا مفرا من الانشقاق وتأسيس حزب جديد تحت زعامة شيخ جديد. وهو ما يفسر أن تلك الأحزاب التي تأسست والتي لا تزال تحت التأسيس تكاثرت حتى وصل عددها إلى تسعة، علما بأن الفضائيات الدينية لها شيوخها الذين يشكل كل واحد منهم حزبا بذاته.
غدا بإذن الله لنا كلام آخر في الموضوع.
(الراي )