تقديم شكوى إلى مكافحة الفساد خطوة مهمة على طريق استعادة أراضي المصنع
د. سليمان صويص
جو 24 :
الخطوة التي قام بها عددٌ من اهالي الفحيص الأربعاء الماضي (7/6/2017) في غاية الأهمية في سياق معركة الدفاع عن أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت، وعن مستقبل الفحيص برمته. الخطوة المقصودة هي تقديم الشكوى إلى هيئة مكافحة الفساد بخصوص "شبهات فساد" رافقت عملية التخاصية التي طالت شركة مصانع الإسمنت الأردنية نهاية تسعينات القرن الماضي. استندت الشكوى إلى ما ورد في تقرير اللجنة الملكية لتقييم عمليات التخاصية بهذا الشأن، وخلصت إلى وقوع مخالفات قانونية ومالية أدّت ألى كسبٍ غير مشروع والحصول على امتياز بطريقة الفساد، خلافاً لأحكام المادة 23/3 من قانون النزاهة ومكافحة الفساد، وكذلك إلى إهدار لمقدرات البلاد. وأعربت الشكوى عن أملها في محاكمة المسؤولين عن الفساد وفقاً للقوانين.
لا نبالغ عندما نقول بأن الكوكبة الكريمة من أبناء الفحيص الذين تقدموا بالشكوى الأربعاء الماضي قد ساهموا مساهمة كبيرة في إنقاذ شرف الفحيص، فضلاً عن المعاني الأخرى الكبيرة التي تقف وراء تلك الخطوة. لنتخيّل لو ان هذه الشكوى لم تقدم ... وجاءت أجيالٌ قادمة لتقرأ تاريخ مدينتنا، فماذا كانت ستجد ؟ تقريرٌ صادرٌ عن لجنة ملكية يشير إلى شبهات فساد في عملية التخاصية للشركة المقيمة وسط الفحيص... ومع ذلك لم يتقدّم أحد بالشكوى إلى هيئة مكافحة الفساد !! أي وصمة عار كانت ستلحق بالفحيص وأهلها ؟ ! وأية لعنة كانت ستطاردنا من أبنائنا وأحفادنا لعقود قادمة !! لذلك يستحق الأخوة الذين قدموا الشكوى من أبناء الفحيص كل الشكر والتقدير والعرفان على ما قاموا به ؛ ونشدّ على أيديهم لأنهم قدموا لمدينتهم خدمة لا تقدّر بثمن، بغضّ النظر عما يمكن أن تصل اليها الشكوى من نتائج.
هذا يقودنا الى التأكيد على ما قاله عطوفة مدير هيئة مكافحة الفساد، الأستاذ محمد العلاف لدى استقباله لوفد أهالي الفحيص الموقعين على الشكوى، من أنه سيتم التعامل معها بمنتهى الجدية. وإذا ما حاولنا أن نستكشف معاني هذا التصريح، فإن ذلك يعني فتح تحقيق شامل في الموضوع سوف يطال كافة الوثائق والشهود والمعلومات المتعلقة بعملية تخاصية الشركة. على سبيل المثال، سوف تطلب الهيئة النسخة الأصلية للإتفاقية المعقودة بين الحكومة الأردنية وشركة "لافارج" بخصوص تخاصية شركة مصانع الأسمنت الأردنية (وهي الإتفاقية التي لم تتمكن بلدية الفحيص من الإطلاع عليها بالرغم من مطالبتها بذلك) . وسوف يعني ذلك استدعاء رئيس لجنة تقييم التخاصية، د. عمر الرزاز، كشاهد وربما استدعاء مسؤولين حكوميين في تلك الفترة لسماع شهاداتهم أيضاً.
أما المغزى الأساس لتقديم الشكوى، خصوصاً في سياق الأزمة التي أثارتها شركة لافارج طوال العام الماضي وحتى الآن، فهو أن جوهر الصراع كان ولا يزال استعادة الأراضي المقام عليها المصنع إلى "المنفعة العامة" بمعناها الحقيقي الوارد في القانون الأصلي الذي استملكت الأراضي على اساسه، وليس وفقاً للتعديلات التحريفية غير الدستورية اللاحقة لهذه العبارة. "فالأم الحقيقية لم ولن تتخلى عن ابنها ولن تقبل باقتسامه مع أم مزيّفة"، في تلخيص مكثّف لقصة الملك سليمان المعروفة، مضيفين بأن الأم الحقيقية لن تقبل بالتخلي عن ابنها مهما طال الزمن، لأن الأرض والعرض "صنوان لا يفترقان".
في هذا الإطار نود أن نشدّ على أيدي السادة النواب الذين شاركوا في تقديم الشكوى إلى هيئة مكافحة الفساد، ونتمنى عليهم أخذ المبادرة والطعن في دستورية تلك التعديلات أمام المحكمة الدستورية.
وأخيراً، الشكر موصول أيضاً الى الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني التي حرص ممثلوها على مرافقة وفد الأهالي لدى تقديمه الشكوى، معبّرين بذلك عن مساندتهم للفحيص في سعيها لمكافحة الفساد، ومؤكدين من خلال هذا التضامن بأن قضية أراضي الفحيص المقام عليها المصنع بكل حيثياتها هي قضية تهمّ أبناء الوطن بعامة، وليس فقط أهالي الفحيص وماحص حيث شاركت سعادة النائبة هيا الشبلي، إبنة ماحص، في الوفد الذي قدّم الشكوى.
معركة الفحيص من أجل استعادة أراضيها مستمرة. وواهمٌ من يعتقد بأنه يمكن كسبها ب "ضربة قاضية" واحدة. إنها معركة طويلة دارت وستدور رحاها بالنقاط. مرتكزها الأساس التمسك بالحق، وعدم التفريط به، والتعبئة الشعبية، واعتماد الأساليب العقلانية والعلمية والقانونية وممارسة الشفافية والحوار والديمقراطية في كل خطوة، وبناء التوافق المجتمعي على هذه الأسس. لذلك ندعو بحرارة وبإلحاح الى مزيد من المأسسة للعمل الشعبي، وإلى وضع معايير واضحة لانتخابات المجلس البلدي المقبل بحيث يكون العنوان الرئيس لها استعادة أراضي الفحيص المقام عليها المصنع وعدم التفريط بأية حقوق لمدينة الفحيص وبلديتها والحرص على حماية مستقبلها وهويتها، وعدم التهاون في مقاومة مشروع لافارج الوهمي المشبوه الذي يريد سرقة مقدرات وثروات الوطن.