الثلج لا يليق بنا
الثلج لا يليق بالأردن ولا بالعالم العربي، هذه هي النتيجة التي توصلت لها بعد ثلاث أيام من غرق عمان بالأمطار، وحصار الثلج لنا في منازلنا.
نعم، الثلج الذي يبهجنا قليلأ، وبعد ساعات يعكر صفونا ويجعلنا سجناء البيوت، لا يليق بنا، ويليق بهم أولئك الذين تستمر حياتهم، وطقوسهم لا تتوقف، يذهبون إلى عملهم، يمشون في الطرقات، كل منهم يفيق مبكراً ليزيل الثلج الذي تراكم أمام بيته، ويستكملون يومهم، فالثلج نعمة وليس نقمة وخراباً.
منذ 22 عاماً ونحن نعيش نفس طقوس الثلج، نفرح قليلاً، نكتئب كثيراً، نذهب للسوبر ماركت فنشتري كل شي، ونأكل بنهم وكأننا لم نفعل ذلك منذ أيام، بل أشهر، ونجلس أمام التلفزيون نقلب المحطات، ونأمر الحارس أو الشغالة، وأن لم يكن الأبناء لينظفوا الستلايت.
لم يتغير شيء طوال هذه السنوات، والجديد الفيس بوك والتويتر، فصار ضرورياً أن تخرج لنلعب بالثلج، وليس لأننا نحب أن نفعل ذلك، بل لنضع الصور على الفيس، ونظهر للأخرين فرح زائف، ونتباهى ببعض الصور مع العائلة الذي جمعتنا معهم قصراً ظروف العاصفة الثلجية.
تحولت قصة غرق عمان إلى مادة للتندر والفكاهة على مواقع التواصل الإجتماعي، وكلها لا تعكس فقط خفة دم أهل الأردن التي ظهرت بخلاف حالة العبوس اليومي التي يعيشونها واقعياً، بل مؤشر إلى حالة الإحباط والقهر، وعدم القدرة على مساءلة من يتسبب بهذه الكوارث، التي لحقت بالناس وتسببت بالضرر المادي والمعنوي لهم.
لم أسمع بأي مسؤول أردني يعلن استقالته اعتذاراً من الناس لأنه لم ينجح في اختبار مواجهة الأمطار الغزيرة، واعترافاً منه بأنه يتحمل المسؤولية الأدبية عن هذه الأزمة التي عاشها الأردن لأيام ولم تنته بعد، ولم تحصر بعد الأضرار التي وقعت.
ولم أسمع حتى بأن لجنة تحقيق شكلت من الحكومة، سواء في أعمال أمانة عمان، أو البلديات أو وزارة المياه، وأطراف أخرى تراشقت فيما بينها الإتهامات، وتحميل كل طرف مسؤولية ماحدث!.
كل ماسمعته بأننا بدأنا نختلق الأعذار والمبرارات، ونقول أنه حتى بالدول الأوروبية وأمريكا تحدث هذه المشكلات عند وقوع ظروف جوية غير متوقعة، وبدأ المسؤولون في بلادي يضربون الأمثلة بالأعاصير التي وقعت هنا وهناك، ويحملون الناس "جميلة" بأنه لم تقع ضحايا وهذا كافٍ.
في العقود الماضية كنا نتباهى بأنه عاصمتنا عمان من أفضل البلاد في المنطقة في بنيتها التحتية، ولكن ذلك أصبح من الماضي الآن، ولا مكان لهذه المباهاة التي حرمونا منها، بل سرقوها من جهاراً نهاراً.
ومن حقى أن أتساءل لماذا غرقت عمان، من يتحمل المسؤولية، هل المشكلة في أننا توفقنا في السنوات الماضية بسبب عجز الموازنة عن أعمال الصيانة وتطوير البنية التحتية، هل هناك أهمال في الاستعداد لفصل الشتاء هذا العام، لأن قيادات الأمانة صارت فوق النقد، والمحاسبة، أم أن الحقيقة أن ما حدث فوق طاقتنا وهو أمر نادر لا يتكرر، والتعامل معه يحتاج إلى مليارات لتطوير شبكات الصرف والمياه، وهو مالا نريده، ولسنا قادرين على تنفيذه لكلفته المادية الباهظة.
كل ما نريده هو معرفة الحقيقة دون رتوش، دون تمجيد وتغني ببطولاتنا في مواجهة العاصفة مع أننا جلسنا في بيوتنا لا نفعل شيئاً؟!
مرة أخرى الثلج لا يليق بنا، ويليق بالذين يتشوقون للحياة دائماً، ولا يقبلون أن يفلت مسؤولا من المحاسبة عن إهمال أو ضرر أوقعه بحياتهم ومستقبلهم.