مفارقة الإسبوع
فهمي هويدي
جو 24 : ارتبكت الحكومة الإسرائيلية هذا الأسبوع بسبب الإحراج الذي سببته لها حملة «أهلا بكم في فلسطين». ذلك أن منظمي الحملة وهم قادة 26 منظمة وجمعية فلسطينية قد دعوا إليها بالتعاون مع منظمات التضامن مع الشعب الفلسطيني في أوروبا لاستقدام ما بين 200 و2500 مواطن غربي (بينهم فلسطينيون يحملون جنسيات أجنبية) في مناسبة عيد القيامة، لإعلان تضامنهم مع القضية الفلسطينية ضد الاستيطان والتهويد. وتم ترتيب برنامج للمسيحيين منهم لإقامة الصلاة في كنيسة القيامة في القدس، والاطلاع على جدار الفصل العنصري ومشاريع الاستيطان والتهويد في شتى أنحاء الضفة الغربية.
الحملة أزعجت الحكومة الإسرائيلية التي استخدمت ماكينتها الإعلامية الضخمة وقدراتها الهائلة في التأثير على الحكومات الغربية وشركات الطيران العالمية لمنع توجه هذه الوفود إلى القدس. حتى إن حكومة إسرائيل تعهدت بدفع نفقات كل غرامة تفرضها المحاكم الغربية لصالح المسافرين الذين تمنعهم الشركات من السفر بعد شراء تذاكرهم. وقد استجابت بعض الشركات الأوروبية لقرار الحكومة الإسرائيلية، حتى إن شركة الطيران الفرنسية ألغت تذاكر سفر 500 ناشط. وحذت حذوها شركات طيران أخرى في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، بل وفي تركيا أيضا. وفي إسرائيل تم تجنيد نحو 600 جندي من حرس الحدود والشرطة والمخابرات، الذين انتشروا في صالات مطار تل أبيب لإيقاف المتضامنين ومنعهم من الانضمام إلى الحملة.
المصادر الإسرائيلية قالت إن ثلث المتضامنين فقط تمكنوا من الدخول، في حين أن الفلسطينيين قالوا إن الحملة نجحت وأن نصفهم عبروا الحواجز. وفي كل الأحوال فإن الرسالة وصلت واستطاعت الحملة أن تسلط الأضواء على جرائم الاحتلال والعنصرية الإسرائيلية، في الوقت الذي كاد الموضوع برمته ينسى وسط خضم الأحداث الساخنة والمتلاحقة في العالم العربي.
حملة «أهلا بكم في فلسطين» ظهرت إلى الواجهة بعد أيام قليلة من الضجة التي حدثت في أوروبا بسبب قصيدة الكاتب الألمانى الفائز بجائزة نوبل جونتر جراس. التي ذكر فيها أن إسرائيل خطر على السلام العالمي، واعتبر أن السكوت على جرائم إسرائيل وبرنامجها النووي وإمدادها بالغواصات (من جانب الحكومة الألمانية) بمثابة اشتراك في الجريمة. وأوضح بجلاء أنه كرجل صاحب ضمير لا يستطيع أن يلتزم الصمت إزاء ذلك، بعدما سئم النفاق الغربي إزاء السياسة العدوانية الإسرائيلية. لم تسكت إسرائيل وأبواقها، فمنع الرجل من دخولها وانهالت عليه الاتهامات من كل صوب منددة بما اعتبر من جانبه عداء للسامية ونزعا للشرعية عن سياسة إسرائيل الأمنية.
ما يهمنا في المشهد أن التذكير بجرائم إسرائيل وسياستها الاستيطانية وبرنامجها النووي جاءنا من العواصم الأوروبية. وشاء ربك أن يحدث العكس في العالم العربي الذي لم يعد يسمع من المسئولين فيه صوت يتحدث عن خطر إسرائيل أو ينتقد برنامجها النووي. وإنما تتركز أحاديث واجتماعات وزراء الخارجية العرب على خطر النظام السوري. أما وزراء خارجية الدول الخليجية فهم مشغولون بالخطر الإيراني ومشروعها النووي.
وقبل ذلك سمعنا خطابا ألقاه السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية حث فيه العرب على زيارة القدس، لا لكي يشاهدوا سور الفصل العنصري أو يقفوا على مشاريع الاستيطان والتهويد، وإنما لكى يؤدوا الصلاة في المسجد الأقصى (ويمارسون التطبيع ضمنا).
ثم نشرت الصحف المصرية أنباء سفر أكثر من 400 شخص من الأقباط المصريين بمناسبة عيد القيامة، لزيارة كنيسة القيامة والأماكن التي ورد ذكرها في الإنجيل عن معالم رحلة السيد المسيح، وسط لغط مثار حول الاختراق الصهيوني للكنيسة الأرثوذكسية بتشجيع من غلاة أقباط المهجر.
ومعروف أن البابا شنودة ــ البطريرك الراحل ــ كان قد منع زيارة القدس منذ اشتباكه مع الرئيس السادات. وإضافة إلى هذا وذلك وجدنا أن أغلب المرشحين لرئاسة الجمهورية يتحدثون في تصريحاتهم برفق شديد ودون حذر عن موقفهم من معاهدة السلام مع إسرائيل بمظنة أن ذلك يجلب الرضا الأمريكي والتأييد الغربي لهم.
هذه المقابلة بين الموقفين الأوروبي والعربي تستحق الملاحظة، بقدر ما تبعث على الحزن والخجل. وأهم ما يمكن أن تستخلصه منها، أمران، الأول أن ثمة خللا في أولويات الملفات العربية ينبغي أن يعالج. والثاني أن الربيع العربي لم يصل صداه بعد إلى السياسة الخارجية في العالم العربي، بما في ذلك دول «الربيع» الذي تتعلق به آمالنا.
السبيل
الحملة أزعجت الحكومة الإسرائيلية التي استخدمت ماكينتها الإعلامية الضخمة وقدراتها الهائلة في التأثير على الحكومات الغربية وشركات الطيران العالمية لمنع توجه هذه الوفود إلى القدس. حتى إن حكومة إسرائيل تعهدت بدفع نفقات كل غرامة تفرضها المحاكم الغربية لصالح المسافرين الذين تمنعهم الشركات من السفر بعد شراء تذاكرهم. وقد استجابت بعض الشركات الأوروبية لقرار الحكومة الإسرائيلية، حتى إن شركة الطيران الفرنسية ألغت تذاكر سفر 500 ناشط. وحذت حذوها شركات طيران أخرى في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، بل وفي تركيا أيضا. وفي إسرائيل تم تجنيد نحو 600 جندي من حرس الحدود والشرطة والمخابرات، الذين انتشروا في صالات مطار تل أبيب لإيقاف المتضامنين ومنعهم من الانضمام إلى الحملة.
المصادر الإسرائيلية قالت إن ثلث المتضامنين فقط تمكنوا من الدخول، في حين أن الفلسطينيين قالوا إن الحملة نجحت وأن نصفهم عبروا الحواجز. وفي كل الأحوال فإن الرسالة وصلت واستطاعت الحملة أن تسلط الأضواء على جرائم الاحتلال والعنصرية الإسرائيلية، في الوقت الذي كاد الموضوع برمته ينسى وسط خضم الأحداث الساخنة والمتلاحقة في العالم العربي.
حملة «أهلا بكم في فلسطين» ظهرت إلى الواجهة بعد أيام قليلة من الضجة التي حدثت في أوروبا بسبب قصيدة الكاتب الألمانى الفائز بجائزة نوبل جونتر جراس. التي ذكر فيها أن إسرائيل خطر على السلام العالمي، واعتبر أن السكوت على جرائم إسرائيل وبرنامجها النووي وإمدادها بالغواصات (من جانب الحكومة الألمانية) بمثابة اشتراك في الجريمة. وأوضح بجلاء أنه كرجل صاحب ضمير لا يستطيع أن يلتزم الصمت إزاء ذلك، بعدما سئم النفاق الغربي إزاء السياسة العدوانية الإسرائيلية. لم تسكت إسرائيل وأبواقها، فمنع الرجل من دخولها وانهالت عليه الاتهامات من كل صوب منددة بما اعتبر من جانبه عداء للسامية ونزعا للشرعية عن سياسة إسرائيل الأمنية.
ما يهمنا في المشهد أن التذكير بجرائم إسرائيل وسياستها الاستيطانية وبرنامجها النووي جاءنا من العواصم الأوروبية. وشاء ربك أن يحدث العكس في العالم العربي الذي لم يعد يسمع من المسئولين فيه صوت يتحدث عن خطر إسرائيل أو ينتقد برنامجها النووي. وإنما تتركز أحاديث واجتماعات وزراء الخارجية العرب على خطر النظام السوري. أما وزراء خارجية الدول الخليجية فهم مشغولون بالخطر الإيراني ومشروعها النووي.
وقبل ذلك سمعنا خطابا ألقاه السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية حث فيه العرب على زيارة القدس، لا لكي يشاهدوا سور الفصل العنصري أو يقفوا على مشاريع الاستيطان والتهويد، وإنما لكى يؤدوا الصلاة في المسجد الأقصى (ويمارسون التطبيع ضمنا).
ثم نشرت الصحف المصرية أنباء سفر أكثر من 400 شخص من الأقباط المصريين بمناسبة عيد القيامة، لزيارة كنيسة القيامة والأماكن التي ورد ذكرها في الإنجيل عن معالم رحلة السيد المسيح، وسط لغط مثار حول الاختراق الصهيوني للكنيسة الأرثوذكسية بتشجيع من غلاة أقباط المهجر.
ومعروف أن البابا شنودة ــ البطريرك الراحل ــ كان قد منع زيارة القدس منذ اشتباكه مع الرئيس السادات. وإضافة إلى هذا وذلك وجدنا أن أغلب المرشحين لرئاسة الجمهورية يتحدثون في تصريحاتهم برفق شديد ودون حذر عن موقفهم من معاهدة السلام مع إسرائيل بمظنة أن ذلك يجلب الرضا الأمريكي والتأييد الغربي لهم.
هذه المقابلة بين الموقفين الأوروبي والعربي تستحق الملاحظة، بقدر ما تبعث على الحزن والخجل. وأهم ما يمكن أن تستخلصه منها، أمران، الأول أن ثمة خللا في أولويات الملفات العربية ينبغي أن يعالج. والثاني أن الربيع العربي لم يصل صداه بعد إلى السياسة الخارجية في العالم العربي، بما في ذلك دول «الربيع» الذي تتعلق به آمالنا.
السبيل