العرب : رؤية مستقبلية في العام 2013
قليلة هي الدراسات المستقبلية التي تستشرف مستقبل الوطن العربي في الأعوام القادمة، وهي تتأرجح بين القراءات الإنطباعية، وبين استنساخ رؤى غربية غير لصيقة بواقعنا العربي، أو تكون منشدة لمصالح معينة، وهي ميزة تقصيها عن الموضوعية، أو تجعلها منقوصة على نحو أو آخر..
لفت نظري في هذا المجال تقرير مختصر جدا يختزل صورة الوطن العربي في العام 2013 لأستاذ الدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية وليد عبد الحي، نشرها في مركز الجزيرة للدراسات، واستوقفتني فيها عدة نقاط، منها..
أولا/ احتمال تراجع أسعار النفط بسبب آثار الأزمة المالية العالمية، وكل انخفاض بنسبة 10% من أسعار النفط يقود إلى تراجع المداخيل العربية بمعدل 150 مليار دولار، ورغم صعوبة «اليقين» في أسعار الطاقة، إلا أن أغلب التوقعات المتخصصة في هذا الجانب -بخاصة تقارير وكالة الطاقة الدولية- تشير إلى ميل أسعار الوقود نحو الانخفاض عام 2013.
ثانيا/ تُعد المنطقة العربية من بين أكثر ثلاثة أقاليم في العالم زيادة في عدد السكان وبحساب معدل الزيادة السكانية في الدول العربية الكبرى والتي تضم حوالي 80% من العرب، فإن نسبة الزيادة السكانية تصل إلى 1,8% مقارنة مع الدول الأوروبية التي لا يصل أي منها إلى 1%، وهو ما يعني أن هناك حوالي 6,7 مليون نسمة زيادة في عدد العرب عام 2013، الأمر الذي يُبقي المجال مفتوحًا للاضطرابات المجتمعية بأشكالها المختلفة بخاصة أن نسبة الشباب في المجتمع العربي تفوق 68% وهم الشريحة الأميل لممارسة العنف!
ثالثا/ يُلاحَظ أن عدد المسيحيين في الوطن العربي يتراجع لسببين، هما: الخوف غير المبرر من تنامي قوة التيارات الإسلامية خلال الفترات الأخيرة من ناحية، وتناقص نسبة الزيادة السكانية بين المسيحيين قياسًا للمسلمين في الدول العربية!
رابعا/ علاوة على نسب الأمية العالية، وتدني الإنفاق على البحث العلمي، وتردي مستويات التعليم الجامعي، فإن العامل الأهم هو الثقافة السياسية السائدة التي تشير إلى ارتداد متزايد نحو الثقافات الفرعية (الطائفية والمذهبية والقبَلية والقومية)، وهو أمر لا مؤشرات على تراجعه خلال عام 2013 بل الخشية من تناميه.
خامسا/ ترى بعض الدراسات الغربية أن كلاً من الأردن (التي ستعرف انتخابات برلمانية في 23يناير/كانون الثاني2013) والكويت سيكونان هما الأقرب للاضطراب عام 2013 ما لم يتم التجاوب بقدر ما مع مطالب الإصلاح الاقتصادي والسياسي، بينما ستبقى قضية انتقال السلطة لجيل جديد في السلطة السعودية أمرًا قد يفتح المجال لاحتمالات الاضطراب، كما أن الأمر في الجزائر يسير في نفس الاتجاه، فالرئيس مريض وقد لا يتمكن من المواصلة حتى نهاية فترته في 2014 ..
سادسا/ في الخلاصة، المشهد العربي سيبقى خلال عام 2013 تحت حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد يكون عام 2013 هو عام الحسم بشكل أو آخر للأزمة السورية، ورغم نتائج الاستفتاء على الدستور المصري الذي عزز قبضة التيار الاسلامي؛ فإن انتخابات مجلس الشعب القادمة خلال عام 2013 ستحدد التوجه المستقبلي وموازين القوى السياسية في مصر، وسيكون للمسار المصري الأثر الأكبر على اتجاهات التحولات في بقية الدول العربية، ويبدو أن ثنائية السنة-الشيعية ستبقى تصبغ المشهد السياسي الاجتماعي خلال عام 2013، بل إن تنامي الفجوة الفاصلة بين تركيا وإيران قد يعزز من هذه المسألة، وهو ما يوحي بأن محاولات بناء كتلة سنية تقودها مصر وتركيا والسعودية في مواجهة إيران تسير بشكل غير متوازن نتيجة التنافس الصامت بين القوى السنية الثلاث، وفي المشهد الفلسطيني، تشير المعطيات إلى أن عام 2013 سيشهد مواصلة الاستيطان من ناحية، وتنامي الشقاق داخل التنظيمات الفلسطينية وليس الوحدة التي يجري الترويج لها من ناحية أخرى، وهو ما يمهد لجولات من العنف يصعب تحديد مداها!
صورة مقلقة يرسمها التقرير السريع، ولكن المستند على دراسات ومعطيات رقمية لمستقبل العرب هذا العام ، ومع هذا، ربما يكون ثمة مفاجآت غير محسوبة، تقلب الصورة رأسا على عقب!
(الدستور )