حول مخاطر تراشق العرب بتهم الإرهاب
خلال الأسابيع الأخيرة قدم بعض العرب لأعدائهم مواد كثيرة يتهمون من خلالها بعضهم بعضا بتهمة دعم الإرهاب، أو السكوت عليه، فكل طرف يأتي بدليل من هنا أو هناك لإثبات نظريته، أكان من وقائع معينة، أم من تقارير لوسائل إعلام أجنبية، وبعضها صحيح بطبيعة الحال؛ من دون أن تعني موقفا رسميا داعما لما يسمى الإرهاب، إذا لا يعدو الأمر خروج بعض رموزه من هذه الدولة أو تلك.
للتذكير مثلا، لا يوجد عاقل يقول إن المملكة العربية السعودية كانت تعلم بقصة هجمات سبتمبر التي كان أغلب المشاركين فيها من السعوديين، لكن ذلك لم يمنع إصدار قانون "جاستا” الشهير الذي سيبقى برسم الإحياء بين حين وآخر، وسيبقى أداة للابتزاز بيد الدولة الأمريكية، فضلا عن أن تكون تحت قيادة رمز متهور وأرعن، ونهجه الابتزاز مثل ترامب.
ينطبق ذلك على الدول الخليجية الأخرى التي لا بد أن بعض مواطنيها، فضلا عن ضيوفها قد مارسوا نشاطا من ذلك الذي تصنفه الولايات المتحدة في عداد الإرهاب، وهو ما يجعلها في لحظة ما برسم الابتزاز أيضا (وضع المعتدلين والمقاومين في معسكر الإرهاب قصة أخرى).
ما ينبغي أن يقال هنا هو أن مصطلح الإرهاب هو مصطلح أمريكي بامتياز، وهو كان ولا يزال مخصصا للمسلمين، وصار في الآونة الأخيرة مخصصا للغالبية السنيّة على وجه الخصوص، بدليل أن مليشيات الحشد العشبي العراقية متورطة حتى أذنيها في أعمال القتل الأعمى والإرهاب، بما في ذلك حرق البشر وتقطيع أوصالهم (الفيديوهات لأبي عزرائيل وسواه تملأ يوتيوب)، لكن ذلك لم يضعها ضمن قوائم الإرهاب، الأمر الذي ينطبق مثلا على مليشيات الحوثي، فضلا عن عشرات المليشيات التي جلبها قاسم سليماني إلى سوريا.
الحالة الفلسطينية مثال آخر، فقوى المقاومة صارت في العرف الأمريكي إرهابية بامتياز، ورُفعت دعاوى ضد مؤسسات مالية، وتم ابتزاها بمئات الملايين بتهم تسهيل المعاملات المالية لقوىً تواجه عدوا يعترف العالم كله بأنه محتل لأراضي الآخرين، ما يؤكد أن هذا المصطلح الأمريكي (الإرهاب)، إنما هو مصطلح مخصص لابتزاز الأمة، ولك أن تتخيل أن أي أعمال عنف ضد المدنيين لا تجري نسبتها لدين معين إلا في حالة المسلمين.
من هنا تنهض مخاطر أن يبادر عرب إلى التعاطي مع مصطلح الإرهاب، ككرة من النار يقذفونها في وجوه بعضهم البعض، الأمر الذي يسهّل على أمريكا والغرب وأي أحد آخر أن يبتزهم بها، وها إننا نرى مثلا احتفال المواقع الإيرانية والتابعة، بكل تهمة يلقيها هذا الطرف في وجه الآخر، لكأن إيران دولة مسالمة وليست دولة تتدخل في شؤون الآخرين، وتموّل عشرات المليشيات والخلايا النائمة في مناطق بلا حصر.
الدعوة إلى الرشد وتسوية الأزمة الخليجية الناشبة في ضوء ذلك كله، لا تغدو من نافلة القول، وهي أزمة لن يتم حلها إلا بتسويات وتفاهمات معقولة، وليس بإملاءات حدية يستحيل القبول بها، ولا يمكن إلا أن تطيل أمد الأزمة، وتعزز الخسائر على كل صعيد، ولا تفيد غير الأعداء.