على هامش انتصار القدس وقضية السفارة
كثير هو الكلام الذي يمكن أن يقال في قصة السفارة، والجريمة التي ارتكبها رجل الأمن الصهيوني؛ يبدأ من ارتباك الروايات الرسمية، وتناقضها، ولا ينتهي بصدمة النهاية التي يعرفها الجميع، وهو الموقف الذي أخذ يتغير لاحقا بعد ردود الفعل الصهيونية الطاعنة في الوقاحة، والتي كان لها وقعها على أبناء الأردن، والأمة عموما.
حين تكون القضية مثيرة، يتابع الناس كل التفاصيل المتعلقة بها، ولا شك أنهم تابعوا تصريحات نتنياهو وسلوكه، قبل وبعد تسليم الحارس الصهيوني، والتي أمعنت في إهانة الشعور الجمعي للناس الذين أوجعتهم الجريمة.
خلال الأيام الثلاثة الماضية؛ تغير الموقف وسمعنا عن إجراءات ووعود تتعلق بمحاكمة المجرم وشروط عودة طاقم السفارة، رغم أننا مثل معظم الأردنيين نرفض وجودها من حيث أتى، ونرى أن إغلاقها هو الرد الأمثل.
كان لافتا بالطبع أن غضبة الأقصى ردا على الإجراءات الصهيونية، وكذلك حادثة السفارة وما انطوت عليه من وقاحة، جاءتا وسط أجواء غير مسبوقة في المنطقة، من حيث الغزل بين بعض الدوائر العربية والصهيونية وبين دولة الاحتلال، ومعها أجواء تفاؤل صهيوني واسع النطاق باستثمار حريق المنطقة، ووجود ترامب وتراجع بعض العرب في صياغة مسار سياسي يصفّي القضية الفلسطينية، ويحيلها إلى مجرد نزاع حدودي لا أكثر، أي النجاح فيما عجزوا عنه من قبل من خلال مسار أوسلو، وبعد احتلال العراق لإعادة تشكيل المنطقة على مقاس الأحلام الصهيونية.
هذا الذي جرى، ومعه كل السلوك الصهيوني المتغطرس على كل صعيد، والتفاخر بالاتصالات السرية مع بعض العرب، وكشف لقاءات لا يريد أصحابها أن تُكشف، واستعراضات نتنياهو، حتى على القوى الدولية.. كل ذلك جزء من ظروف المعركة، إذ سيدفع كثيرين إلى إعادة النظر في مسارهم، لأنه سيكون من الصعب عليهم إدارة الظهر بالكامل لمشاعر الشارع في بلدانهم، فكيف وبعضهم يرشق بعضا بقصص التطبيع، بما ينطوي على تجريمه؟!
والخلاصة أن غضبة الأقصى، وما أسفرت عنه من نصر للمقدسيين، وخضوع للاحتلال وهو في ذروة غطرسته، إلى جانب جريمة السفارة وملحقاتها بسلوك نتنياهو المتغطرس، إنما هي جزء من ظروف المعركة، وجزء من تصحيح البوصلة نحو مسار المقاومة.
إن ما جرى سيكون مجرد محطة عابرة، إذا لم يسفر عن تغير في بوصلة الصراع، ذلك أن القدس لا تزال محتلة، ومعها كل فلسطين، وما جرى ينبغي أن يؤكد للمتشككين والمهزومين أن بوسع المقاومة أن تحقق الكثير، إذا تم الإجماع عليها، والتوحد في ميدانها.
في هبة الأقصى توحّد الجميع، وحققوا إنجازا رائعا، الأمر الذي يمكن أن يتكرر في مواجهة أوسع، وإنجاز أكبر، وقد أثبت الشعب أنه جاهز لذلك.