عن مقتدى الصدر بمناسبة استقباله في الرياض
حظي الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر باستقبال لافت في الرياض، الأمر الذي كلفه موجة هجاء من قبل الأدوات الإعلامية لإيران في المنطقة.
ليست لدينا معلومات دقيقة حول مفردات الحوار الذي دار بين الطرفين، فما نشر كان مقتضبا، وما ذكره المتحدث باسم التيار الصدري كان كلاما عاما، عن أجواء اللقاء، مع حديث عن أن الطرفين قد اعترفا بوجود أخطاء من الطرفين فيما يتصل بالعلاقة بين البلدين.
في الزفة الأخيرة المتصلة بمعركة الموصل، غاب الصدر عن الساحة لبعض الوقت، ربما لأن حجم الحشد الإعلامي والسياسي (أكثره مذهبي) لم يكن يسمح له بالتحدث، هو الذي لا يرى أن أزمة العراق هي في المعركة مع "الدواعش” كما يسميهم، وحيث يرى أن هناك "دواعش” شيعة أيضا.
حين يكون نوري المالكي هو العدو الألد لمقتدى الصدر، فهذا يعني أن للأخير بعض الفضائل التي لا ينبغي إنكارها بدعوى أن "الخل أخو الخردل”، وأن الجبهة الشيعية على قلب رجل واحد.
النظرية الأخيرة بالغة السطحية مع كل الاحترام لمن يرددونها، فليست هناك جبهة موحدة تماما في أي طائفة أو عرق، والسياسة هي أن ترى التباينات في كل جبهة، حتى تتمكن من بناء تقدير موقف صحيح.
لا أحد ينسى أبدا ما قارفته المليشيات المحسوبة على مقتدى الصدر من جرائم بحق العرب السنّة، لكن موجة القتل في العراق بدأت ولم تنته فصولا إلى الآن، ومن الصعب فرز الساحة السياسية الجديدة، ومعها أسئلة المستقبل، بناء على هذا المعطى لوحده.
ينتمي مقتدى الصدر إلى الفعاليات السياسية الشيعية التي كانت موجودة داخل العراق قبل الاحتلال الأمريكي، وهي تختلف بعض الشيء عن تلك القادمة من الخارج، والتي تعاملت مع العراق بروحية الغنيمة، وعاثت في الأرض فسادا، ليس على صعيد القتل وحسب، بل على صعيد السرقة أيضا، وهذه كلها تحظى للمفارقة بحماية "الولي الفقيه”.
لذلك لا تبدو جريمة المالكي منحصرة في طائفيته التي أفضت إلى هذه الموجة من العنف في العراق، وذلك بعدما شرع في الهدوء إثر مشاركة العرب السنّة في انتخابات 2010، بل تتجاوزها إلى رعاية أكبر عملية نهب في التاريخ البشري، تشير تقارير كثيرة إلى أنها تجاوزت الـ300 مليار دولار.
خلال العام الماضي، قاد الصدر حراكا شعبيا يستجيب لهواجس غالبية الشعب العراقي، وفي المقدمة منه الجمهور الشيعي الذي حُسبت عليه الحكومات منذ الاحتلال، لكنه لم يلمس أي تغير في حياته، حتى بدأ بعضهم يترحم على أيام صدام حسين، رغم صعوبة ذلك في ظل الحشد المذهبي الرهيب. وحين يصل الحال بقطاع من جمهوره حد الهتاف "إيران بره بره”، فمن الطبيعي أن لا تنسى له إيران ذلك، رغم اعتذاره عمليا.
لذلك كله، لم يكن من الخطأ التواصل مع مقتدى الصدر، وهو كان موفقا حيت لم يدخل على خط الأزمة الخليجية، ولا شك أن أي تواصل عربي مع تياره هو جزء من المواجهة مع إيران التي لا تعنيها مصالح الإنسان العراقي، بقدر ما يعنيها التمدد والنفوذ. أليست هي من دعمت طائفية المالكي التي أدت إلى كل هذا الدمار في العراق؟
خلاصة الأمر هي أنه من دون تحرير العراق من الاحتلال السياسي الإيراني (والعسكري عبر مليشيات الحشد)، فإن البلد لن يستقر، ونهاية تنظيم الدولة كدولة، لا يعني نهاية فعله بوجود حاضنة شعبية توفرها المظالم، كما أن المواطن العراقي لن يعرف طعم الراحة في ظل شعارات مكافحة فساد ونبذ طائفية؛ يطلقها أسوأ الفاسدين وأبشع الطائفيين. أما مقتدى الصدر، فسيبقى رقما مهما لا يمكن تجاوزه في الساحة، بصرف النظر عن ضيق الإيرانيين به، أو تفاهمهم لاحقا معه. وهنا تنهض مهمة القوى المحسوبة على العرب السنّة التي سجّل أكثرها رعونة سياسية استثنائية، والتي عليها أن تكون أكثر تواصلا وتفاهما مع الصدر، وكل الرافضين للهيمنة الإيرانية على العراق.