استقالة طوعية من الأسرة!
قيم الربيع العربي تتسلل إلى الأسرة العربية، باحثون وكتاب كثر اعترضوا على تسمية الربيع بالثورة، لأن الثورات تغير كل شيء، في حين أن الربيع العربي مجرد انتفاضات، الواقع يثبت غير هذا، فهتافات الشباب في ميادين التحرير، تردد صداها في الأسر العربية!
على هذه الخلفية، قال لي صديقي، الذي مضى على زواجه نحو ثلاثة عقود، أنه آن له أن يتقاعد من الزواج، بعد أن أمضى في رئاسة الأسرة فترة تقارب ما امضاه حسني مبارك في نظامه، وعليه، فإنه لن ينتظر تلك اللحظة التي «يحاكم» فيها بتهمة الاستئثار بالرئاسة لثلاثين سنة، ويفضل ان يستقيل من تلقاء نفسه، قبل أن يتبهدل في المحاكم ويجرجر في أواخر عمره!
سألته عما إذا كان «رعاياه» في الأسرة راغبين في «خلعه» فقال لي أنه لن ينتظر للوصول إلى هذه اللحظة، وأنه سيستحي على حاله ويتنحى ويمضي بمحض إرادته، مقتديا بحالة سوار الذهب، فارا من مصير حسني مبارك الأسود!
قلت له: لم لا تستلهم نماذج ربيعية عربية أخرى، بدلا من التأسي بالحالة المصرية؟ فقال لي أنه إن تعذر عليه تطبيق حالة مبارك، مع بعض التحسينات، فهو يفضل حالة بن علي، فربما يلجأ للهرب في «ليلة ما فيها ضو قمر» ويتوارى عن الأنظار، تاركا الجمل بما حمل للأولاد والزوجة، كي ينعموا بفترة انتقالية، يتصارعون فيها على ميراث «مش مستاهل كثير» لكنه في ظل القحط الاقتصادي الذي تمر به البلد، قد يبدو وفيرا!
صديقي الذي لم يكن هازلا، بدا لي أنه جاد فيما يقول، بل إنه أقسم أن تجربة الزواج والأسرة برمتها، أصابته بإحباط وخيبة أمل كبرى، وقال لي بكوميدا سوداء: لو أني أعرف خاتمتي .. ما كنت بدأت، حاولت بكل الطرق الالتفاف على استخلاصاته «الحمقاء» فهب في وجهي، وأقسم انه لو ربى مزرعة عجول لكان أجدى له من سلخ ثلاثين عاما من الاستثمار في إنتاج بشر فتحوا في رأسه مليون عش دبابير، وتسببوا له بعده أمراض، اقلها عملية قلب مفتوح، بعد تركيب عدة شبكات، فضلا عن «دوالي» في أمكنة متعددة(!) عيب يحكي عنها، وبعض الأمراض الهامشية التي تنغص عليه أكل حبة فلافل، أو التهام صحن عجة!
صديقي متطرف جدا في حكمه على تجربة الأسرة، التي يرى أنها أسوأ ما اخترعته البشرية، قلت له: أنت تتحدث بهذه الحدة عن «تجربتك» لكن بصراحة فاشل، وثمة ملايين التجارب الناجحة التي تنقض رأيك الذي شط كثيرا عن الصواب، قال لي: الله يهنيكم يا «ناجحين» انتو، وهم بمغادرتي، سألته: إلى أين؟ قال لي: إلى دار الإفتاء، بدي «أقطع» فتوى بعد أن ألقيت يمين الطلاق قبل أن آتيك!
(الدستور )