عن نتنياهو ومحاكمته وفساده والدلالات
يبدو أن الجولة الجديدة من اتهامات الفساد الموجّهة لنتنياهو، لن تكون كسابقاتها، وإن كان من الصعب الجزم بالنهاية التي ستفضي إليها، وتبعاتها على الوضع السياسي من حيث انتخابات مبكرة، أو حكومة جديدة، فضلا عن مصيره الشخصي؛ هو الذي لا يسلّم بسهولة.
وصول رئيس وزراء إسرائيلي إلى السجن بتهم أخلاقية، فضلا عمن هم دون ذلك في المناصب السياسية والعسكرية، ليست جديدة في الكيان (حاليا يُحاكم وزير الداخلية آرييه درعي أيضا)، فرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (إيهود أولمرت) لا يزال في السجن منذ 3 سنوات.
مصير نتنياهو لا يعنينا في شيء، فمن سيأتي بعده سيكون أكثر يمينية وتطرفا في التعاطي مع الفلسطينيين، ولسنا من الذين يعوّلون على اعتدال في المجتمع الصهيوني، وقد جرّبنا من يُسمّون معتدلين في كامب ديفيد عام 2000، وجربناهم مع أولمرت وليفني في مفاوضات كُشفت وثائقها، ولم نجد ما يمكن أن يقبل به أي زعيم فلسطيني، ولا حتى عربي، فضلا عن الجماهير التي ترفض الاعتراف بأي شبر من فلسطين للغزاة.
ثمة وجه لا شك أنه يرد على ذهن كل مواطن عربي يسمع أخبار التحقيقات والمحاكمات في الكيان، وهو أننا إزاء قوم استجابوا لتحذير نبينا عليه الصلاة والسلام من مغبة أن يسرق الشريف فيُترك، فيما يقام الحد على الضعيف إذا فعل ذلك، بينما لم نستجب نحن أمته عليه السلام.
القضية التي واجهها أولمرت مثلا وحُكم عليه بسببها بالسجن لمدة ست سنوات، ليست سرقة بالمفهوم المتعارف عليه في عالمنا العربي، بل إنها تحدث بشكل يومي من مستويات متعددة من المسؤولين، بل أكبر منها بكثير، من دون أن يقف أحد منهم أمام القضاء، فضلا عن أن يُحكم عليه بالسجن لهذه المدة الطويلة، وقد ينطبق ذلك على قضية نتنياهو أيضا.
هناك حالات في بعض الدول العربية تمت خلالها محاكمة مسؤولين فاسدين، ولكنها لم تكن سوى حالات نادرة في منظومة عربية يعرف الجميع ما هي عليه، من دون الحاجة إلى تذكيره.
ثروات بالمليارات سرقت وتسرق أمام أعين الناس من دون أن يجرؤ أحد على المساءلة، ومن دون أن يُحكم على أحدهم بالسجن يوما، بل من دون أن يغادر المتهمون المواقع التي يتصدرونها.
هذا هو البعد الأهم، فالدولة العادلة التي تساوي بين الغني والفقير والشريف والوضيع أمام القضاء هي دولة يمكنها أن تحقق قدرا عاليا من المواطنة.
على أن هذا الأمر لا يخفي من زاوية أخرى تلك العنصرية التي تتسم بها دولة الاحتلال؛ ليس ضد مواطنيها من غير اليهود وحسب، بل أيضا ضد مواطنيها من اليهود الذين يصنفون درجة ثانية مثل الأفارقة، لكن ذلك يحدث على صعيد الممارسات اليومية، بينما يمكن لكل متظلم أن يذهب إلى القضاء ويحصل على حقه.
القضاء هو ملاذ للناس، لكن منظومة الفساد لا تسمح بوجود قضاء نزيه، ولا شك أن القضاء في دولة الاحتلال يسجل قدرا عاليا من النزاهة، باستثناء موقفه من الفلسطيني بطبيعة الحال، مع أنهم حتى في هذا السياق يحاولون أن إخراج كل شيء بطريقة محكمة.
على أن الوجه الآخر للصورة التي نحن بصددها، وهي التي تعنينا بدرجة كبيرة، هو ذلك المتمثل في حقيقة أن المجتمع الصهيوني يتغير شكل لافت.
إن تغيرات بنيوية تحدث في المجتمع الإسرائيلي، وهي تغيرات همّشت روح المبدأية فيه، وحوّلته إلى مجتمع استهلاكي يركض خلف ملذاته، وها إن بعض أبنائه يستعيدون جنسياتهم الأوروبية، ويحسبون الأمر بمدى الأفضلية في العيش هنا أو هناك.
لقد تبدى ذلك جليا أيضا في الحروب الأخيرة، فالجندي الذي خاض الحروب الأخيرة في لبنان وغزة، ليس هو الجندي القديم، إذ كان جبانا يحرص على الحياة بشكل جنوني، ويتمترس خلف الحديد ولا يتورط في أي مغامرة.
المجتمع الصهيوني يتغير، وهامش المبدأي والانتماء يتراجع فيه بشكل جلي، وهذا يشير إلى أن منحناه قد أخذ في الهبوط، وأن مواجهتنا معه في المراحل المقبلة ستكون أسهل، حتى لو حاول جبر الفارق من خلال التفوق التكنولوجي.
إن انتفاضة شاملة في الأرض الفلسطينية ستؤكد ذلك بكل وضوح، وهذا بالضبط ما يفسر استماتة العدو في إغلاق جميع النوافذ التي تؤدي إليها، وللأسف، فهناك أيضا من أبناء جلدتنا من يساعدونه في ذلك.