تعقيب وتصويب
أما التعقيب فهو للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح الذي قرأ ما كتبته في هذا المكان يوم الأحد الماضي 17/1 تحت عنوان «مغامرة الإسلاميين الخطرة». وفيه انتقدت اندفاع الجماعات الإسلامية صوب العمل الحزبي والسياسي، وحذرت من أن يؤدي ذلك الاندفاع إلى إهمال مشروعهم الدعوي والتربوي الذي هو الأساس الذي قامت عليه تلك الجماعات. وحسب تعبيره فإن ما تحدث عنه مس «عصبا عاريا» عنده، وهو الذي شارك في وقت مبكر في العمل الإصلاحى المستند إلى المرجعية الإسلامية في التغيير والتجديد والبناء والتربية.
في رسالته سجل الدكتور أبو الفتوح خمس ملاحظات على الفكرة التي أثرتها، عرضها على النحو التالي:
* إن ارتباط العمل الإسلامي بالعمل السياسي ارتباط تلازم يعود في نشأته الأولى إلى تعرض الأوطان للاحتلال والغزو، فلم يكن أحد يملك ترف الحديث عن الدعوي والحزبي والبلاد محتلة وفلسطين يشرع في اغتصابها. ولم يكن هناك من سبيل لاستنهاض الأمة كلها صدا وطردا للاحتلال إلا بمفاهيم الدين وقيم الدين وروح الدين، وهو ما يمثل إنجازا تاريخيا كبيرا يوزن بميزان وقته.
* كان للإسلاميين دورهم التاريخي في المواجهة الصلبة للاحتلال في القرن الماضى من خلال المدارس والمساجد والثقافة والفكر والتربية، بمشاركة مجيدة من كل أبناء الأمة والوطن وهو ما حفظ للأمة ذاتيتها وهويتها. وهو الدور نفسه الذي تفرضه الضرورة الماسة التي يتوق إليها الواقع، وينشدها وتتطلبها الحالة التاريخية الحرجة التي نمر بها الآن أعظم ما يكون الطلب والحاجة.
* بات التمييز بين العمل الإصلاحي الدعوي وبين العمل الإصلاحي الحزبي والسياسي من أهم متطلبات التطور التاريخي الذى تحياه الأمة كلها، وإذا كان العمل الإصلاحي السياسي له دوره المهم في ضبط العلاقة بين السلطة والمجتمع على المفهوم الإسلامي الصحيح في العدل والحرية ومجابهة الطغيان والاستبداد وكلها مفاهيم ذات امتداد ديني عميق في العقل والوجدان، فإن العمل الإصلاحي الدعوي هو كل العقل وكل الوجدان للوصول بالإنسان إلى كماله الأسمى والأشرف والأرقى كما أراد له الخالق العظيم.
* لم أجد تفسيرا لمسارعة الإسلاميين إلى ميدان العمل الحزبي، وكنت أتوقع أن يكتفوا بمن يمثلهم بدرجة أو أخرى من درجات التمثيل والمقاربة، وأن يتم تنسيق في مدارات الإصلاح بما يحقق الغايات العليا والكبرى التى لا يختلف عليها أحد، وما زال المدى أمامنا ممتدا لتصحيح المواقع والمواقف، وهو ما أتوقعه واتمناه وأريده من التيار الإسلامي بكل مكوناته الفكرية والحركية.
* تمثل تجربة حركة الإصلاح والتجديد وحزب العدالة والتنمية في المغرب العربي نموذجا صحيحا في التمييز الدقيق بين مجالات العمل الإصلاحي. وقد سجلوا نجاحا ملموسا في ذلك، وقد قمت بزيارتهم ووقفت على تجربتهم وسمعت شهاداتهم، وأرى أهمية تجربتهم في الحضور على خلفية التطور والتجديد في مسارات العمل الإصلاحي كله.
* التصويب له قصة؛ ذلك أنني كنت قد وقعت في عدد جريدة الوطن الصادر في 5/1 على استطلاع مصور تحدث عن مقهى جديد في مدينة نصر، وصفته الصحفية في عناوينها بأنه أول كافية إسلامي. وذكرت أنه «يفصل بين زبائنه، ولا يسمح بالتدخين، أو الموسيقى، ومعظم زبائنه شبان ملتحون وفتيات منتقبات». وذكرت الصحفية التي كتبت التقرير أن وراء المشروع ستة من السلفيين، هدفهم الرئيسى أسلمة الكافيهات في مصر عن طريق الالتزام بالشروط الشرعية التي تدعو إلى الفصل بين الرجال والنساء، والاستفسار من الداخلين -إذا كانوا خليطا من الشبان والفتيات- عن طبيعة العلاقة بين الجنسين. كما ذكرت ان الآذان يرفع في المقهى الذي خصص مصلى للسيدات وآخر للرجال، وأن المكان لا تتردد فيه سوى الأناشيد الدينية والابتهالات، وأن شاشة التليفزيون لا تعرض إلا برامج إحدى القنوات الدينية.
استفزني الكلام المنشور فانتقدت الفكرة فيما كتبته يوم 7/1 تحت عنوان «أسلمة مبتذلة ومسطحة» الذي أحسب أنه اختزل يجسد وجهة نظري في الموضوع. لكنني فوجئت بعد النشر بعدة اتصالات هاتفية من أشخاص أعرفهم وأثق في بعضهم. وآخرين لهم صلة بالمشروع أبلغوني بأن ثلاثة أرباع الكلام المنشور مختلق ولا أصل له، فأصحاب المشروع لم يدَّعوا على الإطلاق أنه «كافيه إسلامي» وليس صحيحا كل ما ذكر عن منع الصور وبث الأذان وتخصيص مصلى للرجال وآخر للنساء، إلى غير ذلك من معلومات منشورة، لكنهم أرادوا له أن يكون مكانا هادئا ومحتشما يمنع فيه التدخين والابتذال، في حين تتردد الموسيقى الهادئة في أرجائه ويبث التليفزيون أفلام ناشيونال جيوجرافيك، وهو ما ذكرنى بحملة الافتراء الإعلامية التي تعرض لها مشروع الممثلة «حنان ترك» حين افتتحت محل «صبابا» لتصفيف الشعر قبل سنتين، وقيل فتعرضت لحملة تشويه وتحريض قيل فيها إنه للمحجبات فقط ولا يتعامل مع المسيحيات.
اعتذرت لأصحاب المقهى عن تحاملي عليهم الذي انبنى على معلومات ملفقة، وأردت أن أخلص ضميرى بتصويب ما ذكرت، لكنني ما زلت حائرا وغير مطمئن إزاء موقف الصحيفة، التي إذا كانت قد فعلت ذلك إزاء موضوع بسيط كافتتاح المقهى، فلا يستبعد منها أن تلجأ إلى ذات الاسلوب في معالجتها للقضايا الأخرى الأكثر أهمية وحساسية.
(السبيل )