إرهاب جنسي ضد الأطفال!
يقول آخر تقرير رسمي، حول «العنف ضد الأطفال في الأردن» وصدر العام 2007 عن المجلس الوطني لشؤون الأسرة ومنظمة «يونيسيف»، أن «واحدا من كل ثلاثة أطفال تعرض لنوع من أنواع التحرش الجنسي من قبل كبار أو أصدقاء أو زملاء في المدرسة».
الرقم خطير ومريع، وهو يعني أن ثلث أبناء المجتمع تقريبا يعاني من عقدة ما، أو جرح نفسي، نتيجة تعرضه لاعتداء جنسي، فهؤلاء الأطفال سيصبحون راشدين عما قليل، ومع أن هذا الرقم كفيل بأن يقرع ألف جرس إنذار، إلا أن شيئا من هذا لم يحصل، بل إن الحديث عن هذا الموضوع يثير كثيرا من الاستهجان، وأكاد أجزم أن القارىء العزيز سيستغرب من هذا المقال، وربما يسأل نفسه عدة أسئلة حول هذا الكاتب الذي يتحدث عن موضوع «غريب» وربما «ترفي» و»مش وقته» في زمن تتعرض فيه الأمة لأخطر أنواع العدوان، داخليا وخارجيا!
من حق القارىء أن يستغرب طبعا، ولكن هذا لا يعني أن نصم أذاننا عما يهدد مستقبل الأمة، ومن ضمن هذه التهديدات إنتاج بشر مشوهين أخلاقيا ونفسيا، غير قادرين على صناعة مستقبل مجتمع، ناهيك عن حماية حاضره، ولهذا ننظر بكثير من الاهتمام والتقدير، للحملة التي أطلقها المجلس الوطني لشؤون الأسرة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» على مواقع التواصل الاجتماعي، والهادفة لرفع الوعي للحد من العنف ضد الأطفال، وبضمنها قضايا العنف والإساءة الجنسية ضد الأطفال بما فيها الإساءة الجنسية الإلكترونية، وبالنسبة للموضوع الأخير، بوسعنا أن نتحدث مطولا، خاصة بعد انتشار الإنترنت في البيوت وعبر الهواتف الخلوية وسهولة الوصول إلى أي إنسان بالصوت والصورة، بعد أن انهارت الحدود، وصار أبناء البشرية كلهم عبارة عن مجتمع واحد!
الحملة جاءت تحت عنوان «علّم لا تعلم»، وتستهدف جمهور الشباب لتوعيتهم من مخاطر العنف على الأطفال، ومن بينها العنف الجنسي، وتركز الحملة على مشكلة ضعف التبليغ، أحد شعارات الحملة تقول «مسكوت عنه مش معناه مو موجود، الإساءة الجنسية عنف خلف أبواب مغلقة»!
حسب الأرقام الخاصة بمحكمة الجنايات الكبرى، المنشورة في صحافتنا المحلية، هناك 50 قضية منظورة حاليا أمام المحكمة لغاية الشهر الماضي، تتعلق باعتداءات جنسية مختلفة على الأطفال، من بين هذه القضايا تم الفصل بنحو 28 قضية، 14 من تلك القضايا صدر بها حكم براءة بحق المتهم، في المقابل، وحسب تصريحات رسمية، شهد العام 2016 تسجيل 8800 حالة عنف ضد امرأة وطفل، تتعلق بأنواع العنف المختلفة، الجسدي والنفسي والجنسي والعنف الإلكتروني، نحو نصفها متعلقة بالأطفال!
نحن أمام ملف بالغ الخطورة، ولا يحظى بالحد الأدنى من الاهتمام، ولا يعني عدم الاهتمام به أنه غير موجود، فـ «مسكوت عنه مش معناه مو موجود، الإساءة الجنسية عنف خلف أبواب مغلقة».. وهو ملف يستحق أن يحظى بما يليق به من اهتمام وعناية، وعلى منظمات المجتمع المدني التي برعت أخيرا في إطلاق الحملة تلو الأخرى، أن تكثف من اهتمامها بهذا الموضوع، فهو جزء أصيل من مهامها، خاصة وإنها بارعة أيضا في الحصول على التمويل اللازم من مصادر لا تعد ولا تحصى!
مخاطر العنف الجنسي ضد الأطفال، في بلادنا والعالم، لا تقل خطورة عن الإرهاب، بل إنها إرهاب اجتماعي أخطر ولكن لسبب ما يكثر الحديث عن الإرهاب، فيما لا نكاد نسمع زعيما واحدا يتحدث عن ذلك الوباء الخطير الذي يفتك بالطفولة!