كان صرحاً من خيال .. فهوى!
استراتيجية الإلهاء وانتظار ما لا يأتي، بالضبط كما هو شأن انتظار غودو، هما نوعان من أنواع صرف المسكنات لصاحب الألم الكبير والمرض العضال، في انتظار الشفاء التام، للتحايل عليه وتلهيته، وهو ميت لا محالة، وهو ما يحصل تماما في حالة انتظار حل دولي توافقي لما يسمى «النزاع الفلسطيني الإسرائيلي» وما هو كذلك، ولكن حالة تقزيم صراح الوجود لا الحدود بين مشروع صهيوني مسموم سرطاني ووجود عربي فلسطيني، لا يخص فلسطين وحدها بل سائر وطن العرب، ترافق مع تلك الاستراتيجية متشعبة الرؤوس والأذرع...ويبدو أننا قاب قوسين أو أدنى من لحظة الانهيار التام لهذا الوهم!
-2-
تنقل صحيفة القدس الفلسطينية أخيرا عن مصادر مطلعة في البيت الأبيض قولها إن الولايات المتحدة تعد ورقة مقترحات للإجهاز على حالة الوهم، بوهم متهالك، تشطب واشنطن فيها «حل الدولتين» (وهو غودو المستحيل!) حتى وإن كان أجمع عليه ما يسمى المجتمع الدولي، وتتبنى بدلا منه مواقف رئيس وزراء العدو نتنياهو بالكامل!
حسب الصحيفة فإن أقصى ما تعرضه «خريطة الطريق» الأميركية الجديدة هو حكم ذاتي كامل للفلسطينيين، وهي خلاصة الجولات التي أجراها مبعوثو الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المنطقة الأسابيع الماضية!
آخر جولات مفاوضات «السلام العبثي» الفلسطينية الإسرائيلية توقفت في أبريل/نيسان 2014 إثر رفض إسرائيل وقف الاستيطان، والإفراج عن معتقلين قدامى، وقبول حل الدولتين على أساس دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وكان وفد من الإدارة الأميركية برئاسة جاريد كوشنر مستشار الرئيس ترمب التقى قبل أكثر من أسبوعين بالرئيس محمود عباس ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي تحت عنوان الدفع باتجاه إحياء «عملية السلام» الميتة، ولم يطرح الوفد الأميركي أي مقترحات محددة لتحقيق هذا الأمر.
وفي كواليس المشهد، كما تسرب من جولات كوشنر، سؤاله لرئيس وزراء العدو عن سر رفضه للمبادرة العربية، مع ما تحمل من فوائد جمة لإسرائيل، رد النتن_ياهو كان بليغا ومنطقيا، حين قال: إن فوائد المبادرة تحققت فعلا لإسرائيل، دون القبول بها وباستحقاقاتها، من حيث اعتراف النظام العربي الرسمي بإسرائيل، وتطبيع تدريجي سري وعلني معها، فما الحاجة للقبول بمبادرة ميتة، ليس وراءها قوة ضغط وجبر؟ بل إن من أطلقها لم يعد معنيا بها، فكيف بمن لا يريدها أصلا؟
-3-
ما لم تذكره الصحيفة التي «بشرت» بانتهاء حل الدولتين «رسميا» إذ هو منته واقعيا، لم تتطرق لما يفكر به اليمين المهيمن على مركز صنع القرار السياسي والأمني في كيان العدو، وهو خيار الوطن البديل، هذا الاستحقاق الجديد القديم الذي بدأ مشاغبة وحلما لدى المتطرفين اليهود، ثم تحول إلى ما يشبه المشروع وهم في مرحلة خطف المشروع الصهيوني برمته، وها هم يكادون يكملون حلقة السيطرة وبشكل كامل على مفاصل صنع القرار الصهيوني في فلسطين، ومن يدري فربما نحن قاب قوسين أو أدنى من انهيار ذلك الصرح الكبير من الخيال، الذي عاش كثيرون يحلمون به، أعني الدولة الفلسطينية، وهو محض خيال من الأصل، فالدول لا تقام ولا توهب من العدو، ولكن هي مقتضيات الملهاة التي يبدو أنها شارفت على الانتهاء!
بقي أن نسأل سؤالا واحدا فقط، هو ما الداعي لبناء سور فاصل ضخم بين فلسطين المحتلة والأردن، على طول حدود هي في المعيار الأمني في منتهى الأمن والهدوء؟ وما علاقة هذا بما يخطط له صاحب القرار اليوم في كيان العدو؟