الاردن الى اين..؟!
طلال صيتان الماضي
جو 24 :
فكرت كثيرا قبل ان اكتب هذا المقال الذي يترجم تدافعا قويا من الافكار والهموم التي اشعر انها تلامس حاضر الاردن ومستقبله، وترددت كثيرا منذ زمن؛ لعلّي اجد بصيصَ امل في بداية تغيير أو اصلاحٍ لنهجٍ للاسف بدأ يأتي على قواعد بناء الدولة الراسخة التي أعلى بناءها البناة الاوائل الذين لم يجاملوا على حساب مصلحه الوطن مقابل الحصول على فتات المصالح الشخصية الضيقة والنتنة وصاغوا مع القيادة الهاشمية العقد الاجتماعي الفريد الذي اسس لقواعد حكمٍ رشيدٍ عز نظيره في محيطنا العربي، وكانت الشراكة الدستورية بين القياده والشعب -من خلال ممثليه الدستوريين- في ادارة الدولة الاردنية هي العنوان الابرز لبزوغ نجم دولة استثنائية في وسط دولٍ تحكمها السطوة ونظام الرجل والحزب الواحد واستطاع الشركاء-ان جاز التعبير- صوغ قواعد راسخة في ادارة الدولة شكلت حالة جعلت كل من الشركاء يتحمل مسؤولياته تجاه الوطن بكل قوة واقتدار.
إلا اننا وللأسف ابتلينا كما ابتليت القيادة ببعض رموز البطانة الذين تبنّوا نهجا جديدا يخل بهذه الشراكة الدستورية بحجة الاخلاص للقيادة واختيار النموذج الافضل للحكم في ظل تداعيات التغيرات التي يمر بها الاقليم، ولكن للاسف جانبهم الصواب كثيرا، فمنهم من اجتهد اجتهادا غبياً ومنهم من اعتقد بأنه ينفذ مؤامرة، وفي كلتا الحالتين يتساوى الغباء والمؤامرة في مفهوم بناء الوطن والحفاظ على منجزاته.
لن اسهب كثيرا في وصف الحالة التي وصلنا لها لاني اعرف بان المواطن الاردني على درجة من الوعي لان يعرف اكثر مما يعرف اعتى الخبراء في السياسة وبناء الدول ولكن سأحاول ان اجتهدا بما هو مطلوب للمرحلة القادمة فالمطلوب:
اولاً : اعادة الولاية العامة في ادارة شؤون الدولة لمجلس الوزراء وان نغادر المفاهيم والتخوفات التي حاول زرعها بعض المرجفين من البطانة بأن سحب الصلاحيات الدستورية من الحكومة هو لمصلحة نظام الحكم فهذا خطأ وخطيئة في آن واحد وعدم فهم ايضاً لفلسفة الحكم الهاشمي في الاردن والذي خبرناه منذ تأسيس الدولة الاردنية فمن ركائز قوة النظام وحفظ الاردن من كل العاديات التي تعرض لها كان بسبب رقي النظام الهاشمي باعطاء الفرصة للشركاء بالحكم بأن يتحملو مسؤلياتهم تجاه ما ينوب وطنهم ولم تأتي القواعد الدستورية التي تعزز وتعطى الثقة للمسؤولين في الدولة جزافا بل كانت مدروسة بعناية فائقة فلم يترك الدستور جلالة الملك مباشرا بالحكم بل من خلال وزرائه حتى تكون هناك مسأَلة لكل شخص يحظى بالثقة الملكية ولا يعمل بها بما يخدم الوطن والمواطن وهناك ايضا مبدأٍ دستوريٍ راقٍ وهو "بأن اوامر الملك الشفهية والخطية لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم" وهذا يستحق ان يكتب فيه مجلدات في ثقة القيادة بنفسها عندما تسمح للوزير ان يخالف الرأي الملكي اذا كان يخالف القانون او الدستور.
ثانيا: نحن بأمس الحاجة من اي وقتاً مضى لخلوة وطنية تعتمد الشفافية والصدق ومصلحة الوطن وبعيدا عن الضجيج الاعلامي لان المستقبل للمنطقة خطير جدا ويتطلب منا جميعا شعباً وقيادة ان نكونَ شركاء بالتفكير والقرار لاننا في مركب واحد وهدفنا جميعاً ان تصل سفينة الوطن الى بر الأمان وان نغادر سياسة الاقصاء والتهميش والتخوين التي الجمت للأسف رجال الدولة والذين اصبح همهم الاوحد ان يحافظو على كرامتهم بعدم الوقوف بوجه الفساد ورموزه خوفاً من الاساليب .... المتبعة في المساس بهم وبسمعتهم تحت ذرائع ومسميات غير صحيحة.
ثالثا: وهذ يتطلب السرعة القصوى في معالجته وهو مغادرة التضييق على الحريات التي اصبحت للأسف سمة المرحلة، فالرأي الاخر ممنوع بكل اشكاله سواء كان على شكل نصحٍ او معارضة وطنية او مناكفة كيدية، فالاردن امتاز منذ بداية تأسيس الدولة على المرونة في توسيع مساحة مميزة للرأي الاخر في الوقت الذي كانت الانظمة الشمولية والاستبدادية تفعل فعلها في موطنيها الذين يخالفون احلامهم وكنا ننظر لهم بازدراء نعم ننظر لهم بازدراء لان الله حبانا بقيادة هاشمية على درجة من الشرعية التي سمحت لها ان تستوعب الجميع وتحتضنهم كابناءٍ لها وعندما غادرت تلك الانظمة قلاعها الهشة في حركة الشعوب او ما سمي بالربيع العربي وبدأت تنطلق الحريات للأسف تراجعنا نحن عن هذا المنجز النبيل لصالح افكار عقيمة تعتقد بانها تخدم العرش والوطن وهم من ذلك براء فالعرش مصان بعيون الاردنيين وان حاول بعض رموز البطانة توسيع الرتق بين القيادة والشعب تحت مسميات مختلفة الا انهم لن ينجحوا بأذن الله وبوعي المواطن.
رابعاً: ان الافكار التي طرحها جلالة الملك في الاوراق النقاشية بحاجة ماسة الى اعادة قرأتها جيدا والبناء عليها ليكون الاردن الجديد نموذجا نتطلع له جميعا وان لم يكن ذلك فنحن امام ردة سياسية ترتقي لان تشبه الردة في الدين عندها سندفع جميعا الثمن ولن ينفعنا الندم لاسمح الله.
خامساً؛ اصبح لدينا للاسف سياسة ( قولوا ما تشاؤون ونحن نفعل ما نشاء) وهذا السياسة على درجة عالية من الخطورة لانها تعطل مفعول المجسات الوطنية التي تعتمدها الدولة ومؤسساتها لرصد الهم الوطني قبل ان يتحول من حالة يسهل التعامل معها ومع تداعياتها الى حالة من الاستعصاء الوطني لذا يجب ان يؤخذ رأي الناس ومن خلال الوسائل المتاحة وان ننتقل الى نهج التعددية الحزبية والسياسية والذي يعتمد البرامجية نهجاً سياسياً لادارة الدولة بموجب برنامج وطني يتم اختيار ممثلين الشعب بناءاً عليه لا ان تكون الفردية هي النهج المتبع في ادارة الشأن الوطني.
حمى الله الاردن قلعة عربية اسلامية حصينة ورعى الله القيادة الهاشمية والهمها السداد وحسن اختيار البطانة انه ولي ذلك والقادر عليه..
* عضو اللجنه التنفيذيه المُعطّله / حزب الجبهه الاردنيه الموحده