عندما يصبح رفع سعر الخبز برنامجا وطنيا، وتمتهن الحكومة بيع الوهم ؟

وبدا الرئيس خلال لقائه رؤساء تحرير اليوميات وبعض الكتّاب الاقتصاديين باحثا عن "مروّجين" لتوجّهاته الاقتصادية القاسية تلك، وعلى رأسها الرفع الكامل لأسعار سلع أساسية منها الخبز، لكن المصيبة هي محاولته اقناع الحاضرين بأن "رفع الخبز قرار وطني يجب الدفاع عنه"، والحقيقة أن أحدنا يحتار في فهم ذلك؛ كيف يمكن أن يكون افقار الناس قرارا وطنيا، وكيف يمكن أن نقول لربّ الأسرة الذي يتقاضى 350 دينارا ويحسب أجرة المواصلات بـ"القرش" أن الحكومة سترفع عليك أسعار معظم السلع من أجل الوطن، في الوقت الذي يشاهد فيه أنواع البذخ والاسراف في حياة بعض الطارئين على الوظيفة العامة..

الملقي وفي مساعيه لتشريب بعض الحاضرين قرار رفع الأسعار حلّق بهم إلى عالمه الوردي؛ فبدأ الحديث عن مدينة جديدة أنهت الحكومة مخططها الشمولي -ونعتقد أن الأمر سيتوقّف عند المخطط الشمولي دون التنفيذ، تماما كما توقّف ملفّ الفارّ وليد الكردي عند مذكرة الجلب- وربما ترك بعضهم في تلك المدينة، لينقضّ بعدها على المواطن وخبزه ويبلغهم أيضا عزم الحكومة احالة مشاريع انشاء طرق خدمية جديدة على القطاع الخاص مقابل دفع سالكيها رسوما بدل الاستفادة منها.

المتتبع لحديث الملقي وتصريحاته في مختلف اللقاءات يجد أن الرئيس يريد حمل 20 بطيخة في يد واحد، وهذا غير ممكن ونتيجته حتمية، فهو يريد بناء مدينة حكومية دون وجود سيولة نقدية وفي ظلّ مديونية كبيرة، ويريد أن ينهض بالتعليم ويصلحه دون خطط وتوجهات واضحة، ويريد أن يسدد المديونية من خبز الفقراء المعدمين، ويريد أن يحارب الفساد من غير محاسبة الفاسدين!

نأمل أن لا يؤثر الـ "fiction" الذي حاول الملقي ترويجه على الصحفيين، وأن لا يعمدوا إلى بيع الأوهام للناس مقابل خبزهم ولقمة عيشهم، وهذه مسؤولية كبيرة لن يغفرها التاريخ لنا..