عالم مهووس جنسياً! (3-3)
في ختام هذه السلسلة من مقالاتنا حول موضوع الشقاء الجنسي الذي يعيشه الشرق اليوم، نتوقف عند مبدأين ذهبيين، يضيئان طريق الحل الجذري لهذه المشكلة..
المبدأ الأول: محظور في القانون الإسلامي أن ينام شخص راشد وحيدا في فراشه..
يقول كثير بن عبد المطلب ابن أبي وداعة: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياماً فلما جئته قال: أين كنت؟ قال: توفيت زوجتي فاشتغلت بها ، فقال: ألا أخبرتنا فشهدنا دفنها؟ قال: ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة (أي تزوجت؟) ، فقلت: يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ، فقال: أنا ، فقلت: أو تفعل ، قال: نعم ، ثم حمد الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين أو ثلاثة قال: فقمت ولا أدري ما أصنع من الفرح فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ وممن أستدين (ليتم عملية الزواج) فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي واسترحت وكنت وحدي صائماً فقدمت عشائي أفطر فكان خبزاً وزيتاً ، فإذا بآت يقرع الباب ، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد ، قال: فتفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب فإنه لم يُر أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد ، فقمت فخرجت فإذا سعيد بن المسيب فظننت أنه بدا له (أي رأى رأيا آخر غير ما وعد من تزويج ابنته) فقلت: يا أبا محمد إلا أرسلت إلي فآتيك؟ قال: لأنت أحق أن يُؤتى ، قال: قلت: فما تأمر ، قال: إنك كنت رجلاً عزباً فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك وهذه امرأتك فإذا هي قائمة من خلفه في طوله ، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب ورده فسقطت المرأة من الحياء فاستوثقت من الباب ، ثم قدمت إلى القصعة التي فيها الزيت والخبز فوضعتها في ظل السراج لكي لا تراه ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران (أي نادى عليهم لإشهار الزواج،) ، فجاءوني فقالوا: ما شأنك؟ قلت: ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم وقد جاء بها على غفلة ، فقالوا: سعيد بن المسيب زوجك؟ قلت: نعم ، وها هي في الدار ، قال: فنزلوا هم إليها وبلغ أمي فجاءت ، وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، قال: فأقمت ثلاثة أيام ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل الناس، وإذا هي من أحفظ الناس لكتاب الله وأعلمهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج..
قال: فمكثت شهراً لا يأتيني سعيد ولا آتيه ، فلما كان قرب الشهر أتيت سعيداً وهو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تقوض أهل المجلس فلما لم يبق غيري ، قال: ما حال ذلك الإنسان ، قلت: خيراً يا أبا محمد على ما يحب الصديق ويكره العدو، فانصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم!
هذه هي قصة سعيد بن المسيب الذي كره لتلميذه أن ينام وحيدا ، فزوجه ابنته بعد أن ماتت زوجته ، مع العلم أن كتب التاريخ تقول إن بنت سعيد بن المسيب خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه ، فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف!
أما المبدأ الثاني، في قانون الإسلام، فلا تقوم الأسر بغياب أحد الزوجين عن الأسرة مدة تزيد عما يهدد أمنها النفسي والفسيولوجي، وهذه مسألة كثر فيها كلام أهل العلم، وحددوا المدة التي يحق للزوج فيها الغياب عن زوجته ولو بغير رضاها بستة أشهر، استنادا لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه سأل ابنته حفصة: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: خمسة أشهر، ستة أشهر، فوقَّتَ للناس في مغازيهم ستة أشهر. يسيرون شهراً ويقيمون أربعة ويسيرون شهراً راجعين. وفي العصور التالية، اختلف الأمر مع فساد الأخلاق وشويع الفاحشة، فرأى العلماء أن يرد الأمر في هذه المسألة إلى الزوجين فهما أعلم الناس بأحوالهما، فإن اتفقا على مدة معينة تعلم الزوجة طاقتها للصبر فيها عن زوجها ويعلم الزوج ذلك منها فلا حرج عليه في السفر سواء زاد وقته عن ستة أشهر أو نقص، أما إذا اختلفا فلا مفر من الرجوع إلى القاضي حينئذ ليقرر هذه الفترة حسب حال الزوجين..
هذان مبدآن ذهبيان في حل المشكلة التي نتحدث عنها، والأمر متروك لأهل الاختصاص في وضع التشريع الذي يراعيهما، استئصالا للشقاء الجنسي من جذوره!