التيار الوطني يدرك عبثية "الإصلاح من الداخل".. ماذا بعد؟
أمل غباين - التيّار الوطني الذي كان له دوره الرئيس في تكريس الحضور الرسمي داخل المجلس النيابي، وعبّر عن رشد "السيستم" ونجح في عقلنة قراراته وتوجهاته، بل وكان الرهان معقوداً عليه في امتصاص الأزمات وجموح النوّاب وخروجهم عن النص.. هذا الركن الذي كان على الدوام من "مسامير الصحن" قرّر الاستقالة من المجلس النيابي الذي كان عبد الهادي المجالي رئيسه لتسع سنوات متتالية.
المجالي الذي كان تياره يحظى بالأغلبية النيابيّة، وأسّس أبرز الأحزاب التي تعزز حضور الدولة (حزب العهد، والوطني الدستوري، والتيّار الوطني)، كان يحظى باحترام حتى خصومه، وطالما سلّف الدولة الكثير من المواقف الهامّة أثناء رئاسته للبرلمان، ولكن اللغط الذي شاب العملية الانتخابية، ودعاوى تزوير نتائج هذه الانتخابات التي غصت بها وسائل الاعلام المحلية والتي بنيت على شواهد وامثلة وصور ومواد فلمية ووثائق واعتماد هذه الانتخابات على قانون حال دون تقوية الاحزاب السياسية وزيادة التفاف الناس حولها، دفع بالمجالي إلى الاستقالة ليجسد التيار الوطني أهم مظاهر الاحتجاج من الكتل السياسية التي راهنت على الإصلاح من الداخل.
هذه نتيجة إصرار السلطة على تفريغ العملية الانتخابية من مضمونها، واستنساخ قانون الصوت الواحد للدوائر المحلية وسحبه على القوائم الوطنية التي تشكلت من اجل شخص واحد يتمثل برئيس القائمة الذي لا يشترط أن يكون حزبيا أو يمتلك برنامجاً سياسيا يسهم في إخراج البلاد من الأزمة المركبة التي تعصف بها، حيث لم تتمكن القوائم الانتخابية سوى من إفراز نائبين أو ثلاثة نواب في أحسن الاحوال، الأمر الذي دفع بأهم الكتل التي طرحت شعار الإصلاح من الداخل، إلى الانسحاب من هذه اللعبة بعد أن تجردت من جدواها.
امين عام حزب الوحدة د.سعيد ذياب أكد ان ما حصل هو مؤشر واضح على عدم نزاهة الانتخابات خاصة ان حزب التيار كان يشارك بكافة الانتخابات، وفي هذه الانتخابات تحديدا اكد على اهمية المشاركة.
وتابع ذياب ان انسحاب "التيار" من مجلس النواب مؤشر خطير يعكس حجم الازمة التي تعيشها البلد ويؤكد وجة النظر بأن الانتخابات والبرلمان المنبثق عنها بدل ان تكون جزء من الحل باتت جزء من الازمة.
أما رئيس مجلس النقباء نقيب المهندسين الزراعيين محمود ابو غنيمة فقال إن انسحاب التيار له تبعات خطيرة على الساحة السياسية كون هذا القرار يعتبر حركة غير مسبوقة خاصة من قبل تيار له وزن سياسي، وشكل احد اطراف اللعبة السياسية.
وبين ابو غنيمة ان استقالة التيار تضع "نزاهة" الانتخابات على المحك خاصة ان الناس تتحدث عن نزاهة الانتخابات بخجل شديد.
واضاف ان هذا القرار سيقلب موازين القوى النيباية وسيضع بعض القوى السياسية في موقف حرج وصعب الخيارات في المرحلة المقبلة.
المحلل السياسي د. حسن البراري شدد من جهته على ان استقالة التيار هي الخطوة الاولى من احد ابناء النظام لنزع الشرعية عن الانتخابات، وهي مرتبطة ايضا بعدم قدرته على الحصول على ضمانات لرئاسة مجلس النواب.
واردف قائلا :"استقالة المجالي تعطي صدقية لمن شككوا في اجراءات العملية الانتخابية وتدعم الذين اخفقوا بالفوز في الانتخابات في مواقفهم المشككة في نزاهة العملية الانتخابية".
واشار البراري إلى أنه لن يكون لاستقالة التيار اثر واضح على البرلمان لان تمثيله محصور بالشخص المستقيل - عبد الهادي المجالي- مضيفا انه ربما تدفع هذه الاستقالة اعضاء مجلس النواب لبذل قصارى جهدهم لخلق الانطباع بأنهم مستقلون عن الاجهزة والمؤسسات الرسمية.
الكاتب الصحفي والخبير بالشؤون البرلمانية وليد حسني اشار من ناحيته إلى ان لهذه الاستقالتة تبعات من اهمها اعادة اثارة مفهوم الاصلاح السياسي وتوجيه عديد من الاسئلة تجاه مجلس النواب السابع عشر ومدى تمثيله للناخبين وفي نفس الوقت وضع الغام امام الهيئة المستقلة للانتخاب باتجاه كيفية ادارة العملية الانتخابية.
وتابع انه وفي نفس الوقت فإن هذه الاستقالة ستعزز من مطالب الشارع المبكرة بحل المجلس كما أنها ستعطي لمقاطعي الانتخابات والحراكيين برهانا جديدا على ان مواقفهم هي الصحيحة فضلا على ان هذه الاستقالة ستثير عشرات الاسئلة حول مفهوم الاصلاح.
وختم ان تبعات هذا القرار سيسبب عشرات الازمات المبكرة التي سيجد المجلس الجديد نفسه في مواجهاتها، سواء على الصعيد البيني داخل المجلس أو بين المجلس وخارجه.