كيف تغش زيت الزيتون؟
نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا! رحم الله الشاعر، الإمام الشافعي، رحمة واسعة، فقد اختصر كل الحكاية، إذ أكمل فقال:
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا
تنهال علي هذه الحكم السنية، كلما رأيت أو سمعت شخصا يلعن الدنيا وأهلها، وحال الأمة المايل، وما حالها إلا حاصل جمع أحوالنا، وأحوالنا لا تسر، فقد عبر عنها الشافعي كما لم يعبر أحد!
«كما تكونوا يولّ عليكم»، فنحن الشعب لسنا أحسن حالا من حكوماتنا، لا أقول هذا كي أبرئها مما تسببه لنا من أوضاع ، بل لأعيد وصف الحال بما هو عليه، وبمنطق تحمل المسؤولية، لا «إزاحتها» على الغير، تحت عنوان: «وأنا مالي» أو «حادت عن رأسي بسيطة»!
-2-
عشت كثيرا، سواء حين أعد السنوات أو الخبرات، وأشهد أنني أشهد تدهورا في الخلق العام بشكل مستمر، ولا يعني هذا عدم وجود الخير، فثمة في هذه الأمة من لم يزل قابضا على جمر الحق، ولكنهم قلة قليلة، وربما بسببهم لم يخسف ربنا بنا الأرض خسفا حقيقيا، بعد الخسف المعنوي الذي نعيشه، ألحظ أن ذمة الناس أضحت أوسع من الخرج الذي كان يضع فيه جارنا «برارة» الخضار على ظهر الحمار، ويدور بها على «المقاطيع» الذين لم يكونوا يجدون ما يشترونه غير الأصناف الرديئة جدا من المنتوجات، ولعل أحدث «تطبيق» لضياع الذمة قصة الغش في زيت الزيتون، والتفنن فيه إلى حد صار المرء يشك في كل شيء!
-3-
فيما مضى أشهد أنني كنت أشتري الزيت «على الغميض» ولا أدقق كثيرا في جودته؛ ليقيني أنه زيت حر غير مغشوش، أما اليوم فترى العجب العجاب، رغم ما أعلمه من «مقاومة» رسمية لسلوك كهذا، لكن عقلية أباليس الإنس فاقت كل تصور، وغلبت أباليس الجن!
اسمعوا ما قاله لي شاهد عيان، رأى بأم عينه وأبيها عملية غش فيها من «الإبداع» ما لو وضع في صنع الخير لحُلت قضية فلسطين منذ زمن بعيد!
يقول وهو الصادق، أنه دخل معصرة زيتون لعصر غلته وانتظر مع المنتظرين كي يأتي دوره في العصر، وفي الأثناء لاحظ أن أحدهم يعتلي «آلة» العصر، ويغيب ويقوم بفعل غير مفهوم، ولا مبرر، فمن يعصر زيتونه ينتظر عند «مزراب الزيت» كي يجمع زيته في الأوعية، أما ذاك فكان «يتشعبط» على الآلة بطريقة غريبة، سألت أحد عمال المعصرة، والكلام لشاهد العيان، ما خطب الرجل؟ وماذا يفعل؟ فقال لي: انتظر حتى يخرج، لأخبرك!
وانتظرت، فقال لي من سألته، وليته لم يفعل، أن الرجل الذي اعتلى آلة العصر، ضخ في خزان خاص يجمع ما يُعتصر من زيتون مادة خاصة، تمكّن الماء من الاختلاط بالزيت، كي يخرج مختلطا مع الزيت من مزراب الزيت، وكي لا ينفصل الماء عن الزيت، وهذه المادة كيماوية سامة، يبطل مفعولها بالخلط بعد فترة، وثمنها لا يتجاوز العشرين دينارا، وعبوتها تشبه عبوة مادة السيليكون الذي يستعمله أصحاب المهن، عبر فرد معين للصق الأشياء بعضها ببعض، وبالمحصلة فإن هذه المادة ترفع إنتاج من يستعملها أضعافا مضاعفة، حيث يخرج الزيت مختلطا بالماء وبشكل متجانس يصعب على من يراه أن الزيت ليس زيتا فقط، بل مختلطا بالماء، وبعبارة أخرى، تحتوي تنكة الزيت التي يبيعها الرجل بمبلغ يقارب المائة دينار على أقل من نصفها زيتا، والباقي ماء مختلط مع الزيت!
قلت للمسؤول: وكيف تسمحون له بمثل هذا الفعل؟ فقال لي أنه «يرش» رشى سخية كي يقوم بمثل هذا العمل، ويُسمح له بالغش، ومن ثم يحلف للمستهلك، أن زيته مصدره «مزراب الزيت» وهو صادق في هذا، ولا يكتشف المستهلك المقلب إلا بعد مرور وقت معين، حيث يطفو الزيت على وجه الماء في تنكة الزيت، ولا يتم اكتشافه إلا بعد أن ينتهي من استهلاك الزيت، والوصول إلى الماء!
هذه إحدى أبرع طرق الغش/ وليست الوحيدة، فثمة من يضيف بودرة لتغيير نكهة زيت القلي، ولونه، ليصبح «زيت زيتون» حرا، وثمة من يبدع بإضافة الرائحة، والقائمة تطول، و»كله يضحك على كله» فلا تلوموا الزمان، بل لوموا أنفسكم، والله المستعان!