برلمان الكثبان الرملية
لا يمكن الإنكار بأن هناك نواباً وصلوا إلى قبة البرلمان ستكون لهم بصمة في العمل البرلماني، وسيشكلون حالة مختلفة تسهم في خلق مذاق جديد للعبة السياسية.
لم تكن المشكلة في البرلمانات الأردنية في وجود نواب مشاكسين لا يقبلون أن يكونوا "بصيمة"، كان هؤلاء موجودون وسيبقون، ولسنا هنا في وارد تعدادهم طوال السنوات الماضية منذ عام 1989، بل كانت مشكلتنا بقواعد العمل وآليات العمل البرلماني، وكيف تدفع بممثلين للناس إلى قبة البرلمان وهم لا يعرفون بالعمل العام، وليس لهم خبرة بالشأن السياسي أو المجتمعي؟.
بدأ الحراك البرلماني، وبدأت التجاذبات وحالات الاستقطاب لبناء الكتل البرلمانية، وهنا أول الأزمات، فغالبية النواب الذين نجحوا لا يعبرون عن قوى حزبية، وحتى نواب القوائم الوطنية الذين راهنوا عليها لتغيير الحالة لم تنجح، فأكبر قائمة حصدت ثلاثة مقاعد، وهذا يعني أننا أمام مزاج "150" نائباً كلهم يختلفون عن بعضهم البعض، ولا قواسم بينهم سوى القليل القليل.
ستتشكل الكتل تحت ضغط الصراع على رئاسة البرلمان، كما هو الحال في كل دورة برلمانية، فالنظام الداخلي للنواب "أعرج"، ولا يمكن أن يصلح البرلمان في عام 2013، والحقيقة لم تكن هناك مصلحة حقيقية في تعديله لتنمية الحياة السياسية.
ولكن الكتل التي تشكلت في إطار صراع المصالح على كرسي الرئاسة، ورئاسة اللجان النيابية، لا يعرف كم تعمر، وكم تعكس تماسك الكتل في التعامل مع القضايا التي تطرح على البرلمان، وبالتجربة كانت الكتل كثباناً رملية لا يمكن الوثوق بها أو الوقوف عليها.
على هذا الأساس، فإن تمديد المهلة للنواب قبل بدء الدورة البرلمانية الاستثنائية ضرورة حتى يتعارف النواب على بعضهم البعض، وهامة للتعامل مع التجربة الجديدة في بناء نظام للمشاورات البرلمانية لاختيار رئيس الحكومة.
والمعطيات والواقع يقولان "لا يصلح العطار ما أفسده الدهر"، فهذه المهلة لن تنتج كيانات سياسية أو أحزاباً تتعامل مع رئيس الوزراء القادم ضمن أجندة أو برنامج سياسي، وكل ما سيحدث هو جولات من الاستكشاف لرئيس الوزراء المفضل عند النواب، أما كيف ولماذا فهذا بعلم الغيب؟!.
المرجح أن تستفيد حكومة الدكتور عبدالله النسور التي أجرت الانتخابات والتي طلب منها الملك الاستمرار بالعمل حتى تشكيل حكومة جديدة من هذا التمديد والواقع، وتقوم بحملة علاقات عامة وترويج لنفسها، لتظل في سدة الحكم.
لا يعرف حتى الآن آلية المشاورات البرلمانية، هل سيطرح النواب اسماً لرئيس الوزراء ويحشدون الدعم له، أم سيمرر الديوان الملكي اسم الرئيس الذي يرغب الملك باختياره ويطلب حشد الدعم له، وفي كلا الحالتين، فإن ذلك لا يعبر عن انتقال للحكومات البرلمانية، ما لم يكن هناك أحزاباً سياسية تحت القبة تملك الغالبية البرلمانية بمفردها أو بائتلافات، ورئيس الوزراء الذي تتم تسميته يمثلها وتستطيع أن تدافع عنه وتحميه وتحمله إلى الرئاسة بالدوار الرابع.
المطلوب الآن برنامج للتغيير تحت قبة البرلمان، مرتبط بأجندة زمنية، فمن المعيب أن تظل آليات العمل التي تحكم مجلس الأمة "بالية" وتقادمت، ولا يمكن أن تخدم شعاراتنا للمستقبل.