رجل يسير عكس الريح!
في إسرائيل، الكيان الإرهابي المتوحش الذي قام على العدوان ولم يزل، منقسمون في موقفهم من قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بعضهم مرحب ولو على استحياء، وبعضهم يولول من الآثار التي ستترتب على قرار كهذا، إن لجهة اندلاع «موجات عنف» وموت ناس من الطرفين، أو لجهة اعتبار الاعتراف رشوة أو بقشيشا لإسرائيل، كمقدمة لإلزامها بتقديم «تنازلات» في صفقة وحيد القرن، (يحتمل أن يقول ترامب للعرب: أنا أعطيهم القدس وأخرجها من المفاوضات، ولكني أعطيكم فلسطين، فلسطين من دون الكتل الاستيطانية، ولكن مع اعتراف أمريكي) وثمة خلاف شديد في إسرائيل على تفسير خطوة ترامب، الذي وصفه أحدهم بأنه يبول عكس اتجاه الريح، فثمة من يقول إنها وفاء لوعد انتخابي، وثمة من يقول إنه يريد أن يكسر تقليدية زعماء أمريكا السابقين، الذين دأبوا على تأجيل تنفيذ قرار الكونجرس بهذا الشأن المتخذ منذ عام 1995، ويريد أن يسير عكس التيار، باعتباره «مختلفا» في كل شيء، إضافة إلى أنه يريد أن يثبّت الكرسي المهتز تحته، نتيجة للاتهامات الداخلية التي تلاحقه!
أوروبا بأسرها ضد القرار، ولها تحفظاتها الخاصة، وغير زعيم غربي كما نقلت الأنباء، حاول أن يثني ترامب عن قراره، وحذر من تداعياته، وهي في هذا الموقف تشبه النظام العربي الرسمي العاجز عن اتخاذ موقف مؤثر يغير مجرى الأحداث دراماتيكيا، ليس لأنه لا يستطيع، بل لأنه لا يريد، إذ إن هناك مصالح جماعية وفردية تفرض عليه وعليها، اتخاذ موقف سلبي.
لو عدنا للتاريخ قليلا، فقد كان لزعماء الكيان الصهيوني دور مركزي في إذابة القانون الأمريكي الذي أقر في تشرين الاول 1995 الاعتراف بالقدس الموحدة كعاصمة إسرائيل ونقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس، وعشية التصويت على القانون في مجلس الشيوخ، كما يروي يورام أتينغر وهو سفير إسرائيلي متقاعد، قال لي السناتور الكبير دانييل اينويا، ان رئيس الوزراء في حينه اسحق رابين حث السناتورات على تأييد مطلب الرئيس كلينتون ان يضاف الى صيغة القانون مادة تسمح للرئيس بتأجيل نقل السفارة، في كل نصف سنة، لاعتبارات أمنية. وفي 1999 مل السناتوران كيل (جمهوري) وليبرمان (ديمقراطي)، تأجيل تنفيذ القانون، وتقدما بمشروع قانون معدل دون تأجيل رئاسي ومع تقليص بحجم 100 مليون دولار من ميزانية السفارات في العالم اذا ما استمر التأجيل. ولكن رئيس الوزراء في حينه ايهود باراك، طلب من السناتورين الاستجابة لطلب كلينتون وشطب مشروع القانون – الذي نال بالمناسبة تأييد 84 من اصل 100 سناتور – كي لا يمس ذلك بالمسيرة السلمية(!)..
فما الذي تغير منذ ذاك التاريخ؟ تغير الكثير، وهو أكثر مما توقع الكثيرون، فلم تعد إسرائيل كيانا طارئا على المنطقة العربية في عرف النظام العربي الرسمي، بل هي الآن جزء من سلسلة منظومات سرية وعلنية، اقتصادية وأمنية و»ثقافية!» حتى، يراد منها تدجين الوجدان الشعبي الجمعي العربي، للقبول بالعدوان والتوحش الصهيوني، كعمل «طبيعي» للتعايش معه، ومن هنا، تأتي أهمية حماقة قرار ترامب، فهي تعيد بيادق اللعبة إلى شيء من أماكنها الطبيعية، بمعنى اكثر وضوحا، سيرتد قرار ترامب عليه، كما يرتد بول من يبول عكس الريح، سيحدث هذا القرار صحوة كبيرة في الشارع العربي؛ لأن القدس ليست خطا أحمر فقط ، بل لأنها صاعق التفجير الذي يحدث مسا كهربائيا في العقول النائمة، فلا يوجد زعيم عربي واحد يجرؤ أن يعلن تفريطه بالقدس، وبالتالي سيضع هذا القرار الجميع في مأزق، بمن فيهم ترامب نفسه، الذي بال عكس الريح!