الجودة ثم الاعتماد الأكاديمي ثم التصنيف طريقنا إلى العالمية
د. أسيل أكرم الشوارب
جو 24 :
أعلن المؤشر العالمي ويبوماتريكس لترتيب الجامعات حول العالم لعام 2017 نسخة شهر تموز الماضي والمتخصص في ترتيب الجامعات عالميًا عن وجود أربع جامعات عربية ضمن أفضل 600 جامعة في العالم، وهو أكبر تصنيف أكاديمي لمؤسسات التعليم العالي حول العالم، كما يصف الموقع نفسه، ويجري عملية التقييم منذ عام 2004 كل ستة أشهر بطرق علمية مستقلة وموضوعية ومجانية ومفتوحة من مختبر سايبرمتريكس (المجلس الوطني الإسباني للبحوث)؛ وذلك لتوفير معلومات موثوقة ومتعددة الأبعاد ومحدثة ومفيدة عن أداء الجامعات من جميع أنحاء العالم على أساس وجودها على شبكة الإنترنت وتأثيرها. ويعتمد على أربعة معايير أساسية لقياس قوة الجامعة، وهي: التأثير، والتواجد، والانفتاح، والتميز البحثي.
أما التصنيف الذي تعده مجموعة "شنغهاي رانكينغ كونسلتنسي" المستقلة لأفضل 500 جامعة في العالم للسنة 2017 فلم تفرض نفسها في القائمة العامة أي جامعة عربية ،. بينما تمكنت جامعات الولايات المتحدة الأميركية من احتلال صدارة التصنيف، بوجود 135 جامعة في لائحة الـ500، والجامعات البريطانية 38 جامعة. ويعتبر من المؤشرات المعترف بها عالميًا لقياس جودة التعليم في الجامعات.
فيما ضم التصنيف للعام الماضي 2016 أربع جامعات سعودية في التصنيف، وجاء ترتيب جامعاتها على النحو الآتي: جامعتا الملك عبد العزيز والملك سعود، ضمن فئة 101 - 150، أي في قائمة أول 200 جامعة عالمية، وجامعتا الملك عبد الله والملك فهد، ضمن فئتي 201 إلى 300، و301 إلى 400، أي ضمن أول 400 جامعة. وضمت اللائحة أيضاً جامعة القاهرة فقط في أول 500 جامعة. جامعة قطر التي جاءت في الفئة بين 600- 700
أما في الأردن فقد جاءت الجامعة الأردنية في المرتبة 1282 كأفضل جامعة في الأردن حسب مقياس ويبوماتريكس ، كما احتلت المرتبة 551-600 ضمن تصنيف QSوحصلت على أربع نجوم في تصنيف Q stars .
وبين مؤيد ومعارض وناقد لهذه التصنيفات و النتائج المخيبة إلا أننا لم نر أي مقالاً يحلل أو يستنكر تلك النتائج معترضاً أو مندداً. لكن مهما كانت درجة المصداقية فيها ومدى أهميتها إلا أنها أحدثت حراكاً في ساحة التعليم العالي كان لها الأثر الايجابي بصفة عامة في مستوى المنافسة على كل المستويات.
وادراكاً لأهمية التصنيف وضرورة خوض التجربة محلياً، وفي خطوة أولى لتحقيق حلم بأن يكون لجامعاتنا مواقع في هذه التصنيفات وأن نضع الأردن على خريطة العالم العلمية . أخذت هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي على عاتقها المبادرة بتصنيف الجامعات الوطنية مرتكزة على حقيقة أنه يجب أن نبدأ محلياً وذاتياً لننطلق نحو العالمية . و ضمن معايير أعلنتها من البداية ، وطلبت من الجامعات تقديم التقارير وفق نماذج أعدتها لجان مختصة من أساتذة الجامعات الأردنية، وبعد جهود مضنية في دراسة التقارير قدمت الهيئة تقريرها بكل شفافية ووضوح ومستندة لما تقوم به هيئات التقييم العالمية بإعطاء درجات ممثلة بعدد من النجوم لمنجزات الجامعات. وعندها جاءت الحقيقة الصادمة والتي قامت فيها الدنيا ولم تقعد في الصحافة والاعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ؛ قادها أكاديميون وجدوا فيها تشهيراً وتجريحاً وتصغيراً بالنجوم التي صنفت بها الجامعات ونتيجة لذلك وجدت الهيئة أن تلغي التصنيف وتتراجع عن النتائج لصالح منح الجامعات مهلة كافية للاستعداد لتصنيف البرامج والتخصصات.
بصفتي عضو هيئة تدريس بجامعة خاصة تعمل على أساس أن في التميز والجودة وشهادات الاعتماد، والسعي لحجز مراكز ضمن التصنيفات المختلفة فرصة لمواجهة التحديات والصعوبات الكبيرة التي تواجه جامعاتنا من عدة نواحي : أبرزها تطوير أعضاء التدريس والإداريين ، بناء خطط ومساقات تبنى على تطوير المعارف والمهارات معاً، تطوير سياسات ضمان الجودة والارتقاء بها ، البحث العلمي، الخدمات والصلة بين البرامج التعليمية وفرص وقابلة التوظيف للخريجين، وخطط التمويل ، والاتفاقات الفعالة والشراكات.
فكانت نجومها باستحقاق، وكانت نتيجة عمل دؤوب من الجميع دوم استثناء لتحصيلها، وتحصيل انجازات أخرى تمثلت في مراكز متقدمة في نتائج امتحانات الكفاءة، وشهادات اعتمادات عامة وخاصة محلية وعالمية. وسواء بقي التصنيف قائماً أم ألغي عرفنا استحقاقنا وعرفنا أن جهودنا لم تذهب سدى.
من جانب آخر لم تكن تلك النجوم والمعايير إلا عناوين لورشات عمل ودورات تدريبية وبنود عمل لاجتماعات متوالية على كافة المستويات لتحقيق انجاز أفضل في جوانب، ووضع حلول لمواجهة نقاط الضعف والتحديات في جوانب أخرى لتحقيق نتائج أفضل في تصنيفات أخرى قادمة.
وعن هيئة الاعتماد فيحق لنا أن نفخر بوجود مؤسسة وطنية مرموقة حققت انجازات كبيرة في متابعة الجامعات، ووضع معايير لاعتماد كافة التخصصات ، والجهود الكبيرة التي تبذل في امتحانات الكفاءة الجامعية ، ومع الاعتراف بوجود بعض الاخفاقات والثغرات إلا اننا جميعاً نتقاسمها لأنها نتيجة عمل لجان مختلفة من أعضاء هيئة تدريس من جامعاتنا ؛ بمعنى أن النجاح لنا والاخفاق منا.
أما الدعوات من هنا وهناك بمدى ضرورة وجود الهيئة والتساؤلات بجدوى عملها، فأود التذكير هنا بما أوصى به المؤتمر العالمي للتعليم العالي عام 1988 باستحداث أجهزة وطنية مستقلة لضمان الجودة.
وتلا ذلك عام 2001 عندما دعا وزراء التعليم العالي والبحث العلمي العرب في اجتماعههم العادي في القاهرة إلى انشاء مؤسسات ضمان الجودة الوطنية . ثم في عام 2003 قامت منظمة اليونسكو بتنيظيم لقاء لشركاء التعليم العالي من أجل تقييم التقدم وقياس أثر المؤتمر على تطوير التعليم العالي .فكان الأردن البلد العربي الوحيد الذي انشأ مجلساً للاعتماد منذ عام 1999 يمنح مؤسسات التعليم العالي الجديدة تراخيص ويصادق على برامجها . ثم صدر قانون هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي 2007 لتحل بموجبه محل مجلس الاعتماد وأعطيت الهيئة استقلالاً مالياً وإدارياً، فكانت الحلقة الأخيرة التي رعتها الدولة الأردنية بتوجيهات سامية لتأكيد دعمها للتعليم العالي وضمان مستواه وجودته على المستويين المحلي والدولي.
أخيراً حان الوقت أن نقف وقفة جادة وعلمية وأكاديمية حول مؤسساتنا وجامعاتنا وأقسامنا بعيداً عن الغوغائية ونظام الفزعات، وبكل موضوعية وانفتاح وأن لا ندفن رؤوسنا بالرمال عند مواجهة أي ضعف أو تصنيف لا يعجبنا، ثم نتساءل عند صدور نتائج التصنيفات العالمية أين نحن ؟
فما الجودة والاعتماد ومعايير التصنيف إلا طريقاً وحيداً على خارطة العالمية نقودها بجهودنا في التميز في التدريس والبحث العلمي والتطوير الأكاديمي ومراجعة الخطط الدراسية وفق معايير واضحة ومرجعيات موثوقة.