أوجع الضحكات
د. فاخر دعاس
جو 24 :
توفي قبل أيام الكاتب والمؤرخ المصري الكبير صلاح عيسى، أحد أعمدة الصحافة المصرية والعربية.
كنت أحد المتابعين لمقالات صلاح عيسى منذ صغري، حيث كان يكتب صفحة أسبوعية في جريدة الوطن الكويتية، يبدع فيها بنقد النظام المصري في عهد حسني مبارك، قبل أن ينقلب على نفسه ويصبح أحد منظري النظام.
رحيل الكاتب اليساري صلاح عيسى، جعلني أستذكر تلك الجملة الثابتة في صفحته الأسبوعية: "شر البلية ما يضحك وأوجع الضحكات ما ينتهي بالدموع". جملة تعكس حجم المرارة الذي كرسته سياسات حكومات لا علاقة لها بواقعنا بالمطلق .. حكومات معزولة عن شعوبها، بل غير آبهة بها وبمعاناتها.
"أوجع الضحكات" .. لا يمكن أن يكون هنالك أوجع من تلك الضحكات التي يطلقها المواطنون الأردنيون عند سماعهم تصريحات مسؤولينا من رئاسة الوزراء مروراً بمجلس النواب وانتهاءً بوزرائنا "الكرام".
أوجع الضحكات تلك الضحكة التي أطلقها موظف أردني يعمل في القطاع العام ولا يتجاوز راتبه الـ300 دينار أردني، عند سماعه رئيس الوزراء يصرح بأنه "لا يوجد دولة في العالم تدعم الخبز" .. وكأننا ما زلنا في ثمانينيات القرن الماضي حيث لا وسيلة للتحقق من صدقية المعلومة سوى الإعلام الرسمي الأردني..
أوجع الضحكات تلك التي صدرت بعفوية من متقاعد أردني لا يتجاوز راتب تقاعده الـ 300 دينار، وذلك بعد قراءته لتصريح وزير الصناعة والتجارة يعرب القضاة بأن "65% من الخبز المنتج في الأردن يذهب إما لغير الأردنيين أو لغير مكانه". وكأن معالي الوزير قد نسي بأن الوافدين لا تتجاوز نسبتهم ثُلث عدد السكان. أو كأننا نسينا قيام الحكومة في بداية العام الماضي برفع رسوم إقامات الوافدين بنسبة وصلت 100% تحت ذريعة "تعويض دعم الخبز للوافدين" ..
أوجع الضحات هي ضحكة رب أسرة يعمل في القطاع الخاص، ولديه ولد وبنت يدرسان في الجامعة ويكلفانه شهرياً أكثر من 200 دينار أردني فيما لا يتجاوز راتبه الـ 400 دينار أردني، ضحكة جاءت بعد سماعه تصريح أحد النواب، مؤكداً على أن مقدار دعم الخبز يفترض أن يكون سبعة قروش، إلا أن الرئيس الملقي قام بجعلها عشرة قروش (بريزة) تسهيلاً وكرماً من للمواطنين.
رحم الله صلاح عيسى الذي كان يُضحكنا حد الوجع –قبل أن يصبح جزءً من سلطة الوجع-، وأدام الله حكومةً تتفنن في إيجاعنا حد الضحك. والله من وراء القصد.