معركة جنين.. هل كان القتل بكاميرا فلسطينية ورصاصة إسرائيلية؟
صفا
على وقع معركة هي الأطول والأعنف منذ زمن طويل في الضفة الغربية المحتلة يتردد على لسان مواطنين في الضفة قول: "ألا لعنة الله على كاميرات المراقبة".. فهي المتهم الأول بكشف خلية المقاومة التي يتهمها الاحتلال بتنفيذ عملية قتل حاخام يهودي قرب نابلس قبل أيام، من وجهة نظرهم.
ومع بزوغ فجر يوم الخميس بعد ليلة لم ينقطع فيها صوت رصاص الاشتباكات المسلحة في جنين، ولا هدير الجرافات الضخمة التي هدمت أربعة منازل حددتها قوات الاحتلال هدفًا للخلية التي تستهدفها بدءًا من منزل الشهيد القسامي نصر جرار وأشقائه، مستهدفة ابنه أحمد ورفاقه، تعود "ًصفا" لترسم مشهد خيوط العملية منذ البداية.
من هنا البداية
في التاسع من يناير 2018 نفذ مقاومون عملية دقيقة وسريعة استهدفت حاخامًا مستوطنًا من مستوطنة "جلعاد" على طريق تل–صرة قرب مدينة نابلس لتتجه الأنظار إلى مدينة نابلس ومحيطها هدفًا متوقعًا لمكان انطلاق الخلية المنفذة، ولم تكن جنين في حسابات الاحتلال الأولية، إذ بدا أنه وحتى منذ بداية التخطيط للعملية كانت الخلية ذكية في طريقة تمويهها من خلال اختيار المكان المضلل.
لم يمض وقت طويل حتى بدأت حملة ملفتة وسريعة لمصادرة كاميرات المراقبة من المحال التجارية والمنازل لتتبع المركبة التي استهدفت المستوطن وخط سيره.
أيام قضتها مخابرات الاحتلال وهي تحلل تسجيلات الكاميرا تلو الأخرى من بلدة إلى بلدة ومن قرية إلى أخرى، ومن شارع رئيسي إلى فرعي، لتشمل الخارطة كل الطرق الرئيسية والفرعية المحتملة لمرور المركبة إلى أي مكان وفي أي اتجاه.
ولم يكن خافيًا من طبيعة اقتحامات الاحتلال للمواقع والبلدات والتي رصدتها "صفا" بأخبارها حينها كيف تفكر مخابرات الاحتلال.
وشيئًا فشيئًا بدأ التركيز يأخذ منحى الاتجاه نحو الشمال أكثر، فتوقفت عمليات البحث جنوبًا لتشمل المنطقة الواقعة بين نابلس وجنين، فمسحت قوات الاحتلال كل كاميرات المراقبة في شارع جنين–نابلس الرئيس، وشارع جنين-نابلس من ناحية طوباس والباذان، وكذلك الشارع من ناحية الزبابدة فالجامعة العربية الأمريكية.
لم يمض وقت قصير على تحليل نتائج تلك الكاميرات، حتى كانت حملة مصادرة تسجيل الكاميرات أكثر دقة، إذ تركزت في المنطقة الواقعة بين قباطية وصولا لليامون غربًا، فمدينة جنين، حيث شملت مربعًا محددًا ونطاقًا جغرافيًا ضيقًا.
السيارة المحترقة
بعد وقت قصير من مصادرة تلك التسجيلات، اقتحمت قوات الاحتلال يوم الثلاثاء 16 يناير الجاري منطقة وعرية بين بلدة قباطية جنوب جنين والجامعة العربية الأمريكية، وعثرت على سيارة محترقة وصادرتها، وكان واضحًا للمراقبين أن الأمر مرتبط بالمركبة التي تم تنفيذ عملية نابلس بها.
وشكل العثور على السيارة أول طرف خيط مادي، ودليل على أن مسار تتبع كاميرات المراقبة كان يسير باتجاه مركبة محددة هي التي ستقود لمكان الخلية التي نفذت العملية، وكان واضحًا من يقظة الخلية التي هاجمت الوحدات الإسرائيلية الخاصة فور وصولها إليها أنهم كانوا على علم بأن الخناق اشتد عليهم بفعل المعلومات المجانية لكاميرات المراقبة.
عودة إلى الكاميرات
بعد ساعات من العثور على المركبة المحترقة عادت مخابرات الاحتلال لتصادر كاميرات المراقبة ولكن في منطقة مركزة أكثر، فداهمت بشكل مفاجئ برقين وشارع جنين–حيفا قرب بلدة اليامون ومدخل بلدة كفردان، ومنطقة مثلث الشهداء، وهو مربع واضح ومركز، وصادرت كل كاميرات المراقبة في تلك المنطقة، وختمتها بمصادرة كاميرات "كازية" حيفا قبل الهجوم بساعات، وهي تقع في مفترق الطرق المؤدي لمنزل الشهيد نصر جرار ليعقب ذلك مباشرة العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة على منزل الشهيد جرار في وادي برقين ومنطقة الهدف من مخيم جنين.
خلية يقظة
فور محاولة القوة الإٍسرائيلية الخاصة التسلل لمنزل جرار كانت الخلية لهم بالمرصاد، إذ باغتوهم بإطلاق نار أوقع إصابات مباشرة بينهم، وأربك عملية الاحتلال التي ما زالت غامضة حتى الآن في نتائجها.
وأقرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية بفضل كاميرات المراقبة في الوصول إلى الخلية، قائلة إن "تطورًا جوهريًا طرأ على التحقيقات خلال اليومين الماضيين عندما بدأ الجيش بجمع معلومات على طول الطريق الواصل من مكان العملية وحتى منطقة جنين وصادر تسجيلات الكاميرات المتواجدة على طول الخط".
وأفادت وزارة الصحة باستشهاد الشاب أحمد إسماعيل جرار خلال اشتباك مع قوات الاحتلال بجنين، بالإضافة إلى أربع إصابات أخرى من المكان، فيما لازال مصير الشاب أحمد نصر جرار الذي تتهمه قوات الاحتلال بقتل حاخام إسرائيلي قرب نابلس قبل تسعة أياممجهولًا.