800 ألف أردني محرومون من حقهم في التأمين الصحي
فرح مرقة :
منذ ولدَت وحتى بلغت سبع سنوات من عمرها، ظلّت الطفلة رهف تعاني من مشاكل في عينيها، ولم يستطع والدها "صاحب البسطة " تأمين تكاليف العلاج لها إلا حين وجد متبرع يحمل عنه عبء التكاليف.
ووالد رهف واحد مما نسبته 12.75 بالمئة من المواطنين غير المنتفعين من أي نوع من التأمينات الصحية، حسب آخر إحصائيات إدارة التأمين الصحي.
من جهته، عانى العامل سليم من ألم في أسفل ظهره، كان "يسكته" بحبوب مسكّنة، حتى أتاه ذلك اليوم الذي لم يستطع فيه النهوض من السرير لشدة الألم، فقرر الأطباء له عملية ديسك عاجلة، لا يملك من ثمنها فلساً.
وتقول زوجته "حصلت على إعفاء من الديوان الملكي وأجرينا له العملية، ولكنه منذ العملية- قبل 4 أشهر- وحتى الساعة لم يعد كما كان".
في حين يؤكد سليم "آخر همي الذهاب للأطباء، فالعلاج مكلف، وطعام أطفالي أؤمنه بشقّ الأنفس".
وحسب إحصائية التأمين يعاني أصحاب المهن الصغيرة من عدم وجود أي تأمين صحي يشملهم وعائلاتهم بأي نسبة كانت، ويقسم التأمين الصحي في المملكة وحسب أرقام ادارة التأمين الصحي، فان عدد أفراد هذه الشريحة يصل الى نحو 803 الاف، يشكلون ما نسبته 12.75 بالمئة من اجمالي تعداد المواطنين البالغ قرابة 6.3 ملايين.
ويتوزع معظم المواطنين المنتفعين من التأمينات الصحية بين التأمينين المدني والعسكري، وبما نسبته 41.25 بالمئة، و27.15 بالمئة على التوالي.
أما الباقون فهم مشمولون بتأمينات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) وبما نسبته 8.5 بالمئة وشركات التأمين 6 %، والصناديق (نقابات ومؤسسات خاصة) 3 بالمئة، والتامين الجامعي 1.3 بالمئة.
وهناك 13 شركة تعمل في مجال التأمين الصحي في الأردن، وبحجم استثمار يتجاوز 13 مليون دينار.
وفي ما يتعلق بعمال المياومة تحديدا، فان رئيس نقابتهم المستقلة محمد السنيد يشير الى عدد من العقبات والمشكلات التي تواجههم في اطار التأمين الصحي جراء البيروقراطية وتعدد الأنظمة واللوائح التي تحكم.
وبحسب السنيد فإن مشكلة عمال المياومة تتمحور حول عدم وجود نظام واحد يحكمهم، موضحاً أن الوزارات والدوائر تنظم إجراءات شمولهم في التأمين الصحي ذاتياً، ما يجعل بعض العمال ينهون خدمتهم دون أن يشملهم التأمين.
ولا يتجاوز عدد عمال المياومة الذين شملهم التأمين الصحي العشرة آلاف، كما يؤكد السنيد الذي ضرب مثالاً على الأنظمة المختلفة للوزارات ما تلجأ اليه وزارة الزراعة التي تبدأ شمول عمال المياومة العاملين لديها بعد مضي عام على خدمتهم، بينما تبدأ وزارة المياه بضمّ عمالها بعد ثلاثة أشهر من عملهم فيها.
وأشار السنيد الى معضلة الروتين التي تواجه عمال المياومة الراغبين في الانضمام للتأمين من كتب رسمية ومراجعات في الدوائر الرسمية، لافتاً إلى أن تأمينهم يجب تجديده سنوياًُ ما يزيد من أعباء العامل بمتابعة وملاحقة المعاملات.
وقال أن العمال كثيراً ما يتعرضون لمشكلات مثل عدم توفر بطاقات التأمين ما يضطرهم لأخذ كتاب رسمي والعودة بعد شهرين لاستلام البطاقة.
وأكد السنيد أن حصول العمال على أدنى درجات التأمين الصحي ينعكس على رداءة الخدمات والمعاملة المقدّمة لهم من وزارة الصحة.
ويعد ما سبق انتهاكاً صارخاً للمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي وقع عليه الأردن في 30/6/1972، وصادق عليه في 28/5/1975.
وتنص المادة 12 من العهد على:
1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.
2. تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:
أ. العمل على خفض معدل موتى المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نمواً صحياً،
ب. تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية،
ج. الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها،
د. تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.
وفي هذا الاطار، شدد فوزي السمهوري مدير مركز جذور لحقوق الإنسان على أهمية تأمين الحكومة الرعاية الصحية للمواطنين كاملة وبأقل التكاليف في ظل الغلاء المعيشي.
وأكد أن عدم تأمين المواطنين صحياً بشكل جيد وضعف الخدمة والمماطلة في العلاج بسبب قلة الكوادر والمؤسسات الخادمة للمناطق تنعكس سلباً على الناحية الاقتصادية للمؤسسات التي يعملون فيها فتقل انتاجيتهم وتخسر مؤسساتهم مساهمتهم في الاقتصاد.
وقال إن حل المعضلة الصحية في الأردن هو في تأمين الخدمات الصحية المثلى للمواطنين، وبنسبة تغطية 100 بالمئة، لافتاً الى أن "عدداً من المؤمنين في بعض النقابات لا يتجاوز تأمينهم 30- 40 %”، ويعاملون كما لو أنهم مؤمنون حقا".
كما أكد ضرورة أن تقوم نقابة الأطباء بتحديد تسعيرات الأطباء والمستشفيات، حتى لا يتثاقل المواطنون عن العلاج وبالتالي يستسلموا للمرض والموت.
ويشكو المواطنون من ارتفاع أجور الأطباء والتي عملت نقابتهم في وقت سابق من العام على توحيدها في قائمة ملزمة.