2024-05-20 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

كمن يجمع البرق في مزهرية!

حلمي الأسمر
جو 24 :

أول زهرة لوز هذا العام فاجأتني منذ أيام، وهي تتفتح بعناد وإصرار، حتى قبل أن تجري العصارة الدافئة في أغصان شجرتها، فجأة أطلت برأسها بكل عنفوان وقوة، متحدية البرد الشديد، الذي بقي يسري في أجسادنا، حتى بعيد رحيل أربعينية الشتاء!
كل عام وفي مثل هذا الوقت، أترقب براعم هذه الشجرة الحبيبة، وهي تتمطى بكسل، منبجسة عن حياة جديدة، بعد غفوة الشتاء، وكنت أنتظر بلهفة مولد الإزهار المدهش، حين يفتر ثغرها عن ابتسامة بيضاء، في خلق جديد، يذكرني بزفاف شهر الربيع، حين يرتدي حلته البيضاء، المزينة بألوان قوس قزح، فاردا أمامي ذكريات مبللة بدموع الفرح والحزن سواء بسواء، لكنه هذا العام أزهر مبكرا ففوجئت به، وشعرت بعتابه الرقيق، كأننا كنا على موعد، وخلفت موعده، فجاء ولم أكن في انتظاره، فاختلط بياضه بحلل الزفاف مع بياض الأكفان، وتلك لحظة حارقة، ليس يعرف سرها إلا من رافقك في رحلة الحياة التي بدا أنها طالت أكثر مما ينبغي!
ثمة خيانة ما؟ من خان من؟ زهر اللوز خانك أم أنت الذي خان؟ فجاءك في غير موعده، لا تدري على وجه التحديد، من الذي خان، حيث تتساوى الخيانات وتختلط بعضها ببعض .
تخونك ساقك بألم ممض، بعد أن تبدأ أعضاؤك باجتراح ألم ستين عاما من البقاء على قيد الحركة والركض وراء آمال شاردة، وبانتظار محطات القطار التي سرعان ما تختفي وأنت تركب قطار الحياة، وفي كل مرة يُهيأ لك أن المحطة القادمة هي مقصدك، حتى إذا وصلتها اختفت كالبرق، وبدأتَ تتطلع للمحطة القادمة، لعل ثمة من ينتظرك هناك، فلا ثمة أحد، وحتى حينما تجد أحدا يشبه مَنْ تنتظر، سرعان ما ينشغل عنك، أو تنشغل عنه لا فرق، فيبتلعه الأفق، وتبدأ بانتظار جديد!
-2-
وتخونك الأحداث، كما تخون غيرك، فتتشابه الثورات بالنكسات والخيبات، والربيع بالخريف، فلا تكاد تميز بين بياض حلة الزفاف وبياض الكفن، وتختلط البدايات بالنهايات، والموْلد بالموت والرحيل، وتلك قصة معقدة، فالبداية هي نهاية على نحو ما، فلا تدري أتحتفي بها أم تبكي، تماما كلغز الدموع، حينما تنهمر فرحا وترحا!
يا الله، كم هرمتَ وهرمتْ قدرتك على التخيل، وأنت تنتظر، حتى إن هذا الخيال تعب وهو يحاول أن يرسم صورة من تحن إليهم، فكأنه كلَّ وملَّ، فلم يعد قادرا على استحضار من تحب، وهو يستقل سريرا في الغيم، تتوقع أن يأتيك أو يأخذك معه إلى غياهب المجهول!
حتى الذاكرة بدأت تتذاكى عليك، فتنتقي ما تريد وتنأى عما تريد، هي الخيانات التي تنهال عليك، كالسهام التي تتكسر على السهام، وتحاول – ما وسعتك القوة – أن تضمد الجراح الصغيرة بجراح أخرى، فالهم الصغير يطفئه هم أكبر، كألم الصداع الذي ينسيك وجعه ألم الضمير، ويا لثقل هذا الهم، حينما تحاول أن تتحايل عليه، فيأتيك مجسما في ألف حُلة وشكل، ممزقا كل الدروع التي تحتمي بها!
-3-
ألم تزل تنتظر موسما آخر من مواسم إزهار اللوز؟ هل ثمة ما يمكن أن يحمله موسم آخر؟ هل ثمة متسع لحنين آخر، بعد أن أرقتَ كل خوابي الحنين المعتق، في محطات العمر المتسربة من بين أصابعك، كحبات الرمل؟ هل تحتفي بما يختفي سريعا فلا تتمكن من الإمساك به، فتغدو كمن يحاول أن يجمع البرق في مزهرية تزين غرفته؟
ستنتظر لا شك، فثمة شيء ما لا بد أن يأتي، ولو كان بعمر قوس قزح، الذي يظهر فجأة، ويختفي فجأة، كي تعيش على ذكراه، كما يعيش زهر اللوز على ذكراك!

 
تابعو الأردن 24 على google news