من دفاتر مواطن عربي
(1)
أوقفوه على الحدود بكل أدب ، وطلبوا منه مراجعة المكتب الفلاني ، لا بل ِأن أحدهم تبرع بإيصاله لوجه الله، دخل إلى المكتب بكل احترام ، ثم أخذوه بكل احترام الى غرفة مخصصة للتحقيق ....ساله المحقق:
- هل انت المدعو(يوسف ميخائيل الغيشان) وأسم أمك ندى؟؟؟( بالمناسبة الاسم تعبيري ولم يحصل معي ذلك شخصيا، لكنه يحصل يوميا على معظم الحدود العربية).
قال برضا :
- نعم، أنا
لم يكد يلفظ هذه العبارة الا والمحقق يبصق في صباحه، ويقوم من كرسيه باتجاهه وهو يقول:
- ولك يا ابن ال(...) نكّلت بنا حتى استطعنا الوصول اليك ..من عشرين سنة وأنت مطلوب!!
- أنا؟؟؟
قال المحقق بسخرية:
- لأ ,,ابن جارتنا ...!!!!
نادى المحقق بصوته الجهوري ، وإذا بثلة من الشباب مفتولي العضلات يدخلون الى الغرفة وينهالون على يوسف ميخائيل ضربا وركلا بالأيدي والخيزرانات، حتى غاب عن الوعي.
المحقق:
- خذوه من قدامي أحسن ما أقتله ...ضعوه في غرفة الانتظار حتى ننقله، بأول سيارة الى العاصمة.
كان الرجل مدمى ومخنوقا ويشعر بالإهانة الكبيرة. هذه الإهانة التي خففت قوتها من وطأة الآلام والكسور والجروج التي يعاني منها.
بعد دقائق أو ساعات أو سنين أو دهور ، لا يعرف ، انفتح باب الزنزانة الانتظارية ، وأمسكه اثنان من الجنود ليساعداه على النهوض والمشي.
بالكاد وصل الى مكتب الضابط الذي ما أن راه حتى نهض مبتسما، وساعدهم في إيصاله الى الكرسي وهو يقول:
- احنا آسفين جدا ، صار فيه غلط بالاسم ..... المهم اتعرفنا عليك ...احنا غلطنا ....!!
قال يوسف وهو ينظر بحنق الى المحقق:
- لا..... حاشاكوا ... انتم لم تغلطوا
- نعم ...؟؟؟؟؟ احنا متأكدين اننا غلطنا ، لأنه الرجل المطلوب مات من عشر سنين تحت التحقيق ، ونسينا تنزيل اسمه من السجلات.
- انتم لم تغلطوا ..الذي غلط وأخطأ هو أبي وأمي
- وكيف غلط... أبوك وأمك؟؟؟
- طبعا غلطوا كثيرا..... لأنهم لم يلدوني بالسويد!!!!
(2)
التطور العلمي المتزايد في مجال الاتصالات لم يكتف بتحويل العالم الى قرية صغيرة ، لا بل وضعه أمامك على شاشة صغيرة، وجعل العزلة عن الناس طريقا الى الاختلاط بجميع الناس ، هذا هو التشظي الاجتماعي الذي جعل الفرد يستغني عن الجماعة في مجال التفاعل والاحتكاك المباشر ويعيش منفردا مع شاشة كمبيوتر واشتراك بالإنترنت يلبي له جميع حاجاته.
لكن الشباب العربي، من بناتنا و أبنائنا تمكن من التمرد على على هذا التحوصل ، وحول هذه العزلة الى اسلوب لتفهّم العالم بشكل اكبر وربط الأشياء ببعضها ، لا بل حول العزلة ذاتها الى وسيلة اتصال جماهيري كبير تمكنت من اسقاط انظمة متجبرة تحكمت في رقاب الناس لعدة عقود، ولم تنفع معها الوسائل التقليدية في المقاومة السلبية والإيجابية والبطاطا المشوية.
اذًا ، نجحوا في الوقت الذي فشلنا فيه نحن ،رغم انخراطنا في العمل السري والمكشوف، في تحقيق أي انتصار يذكر على تلك الأنظمة الشمولية، ربما لأننا فشلنا في توريط الجماهير في معاركنا؛ ما ادى الى الاستفراد بنا وقتل بعضنا وسجن اخرين وتخويف اخرين وشراء الكثيرين.
الشباب حّولوا الفيسبوك والتويتر وما شابههما، الى ميادين للتنظيم والحشد وتحديد مواعيد الاعتصامات والمظاهرات؛ بعد الاتفاق على الشعارات واساليب الاتصال وردود الفعل ، دون أن يتركوا شيئا للصدفة.
هؤلاء لن يرهبهم الصعاليك ولا البلطجية ولا المغاوير !!
(الدستور)