الاستثمار و الانتاج ... بين الوطني والأجنبي
1-معركة الكرامة
بداية لا بد من تحية قواتنا المسلحة وجنودنا البواسل وشهدائنا الأبرار وقادتهم المتميزين الذين حققوا النصر في الكرامة قبل 50 عاماً، وأثبتوا أن الأردن قادر على المواجهة والصمود، وقادر على صناعة النصر في الحرب وفي السلم على حد سواء.
2-الاستثمار الوطني.
تنشط الإدارات الرسمية بدعوة المستثمرين الأجانب من شتى بقاع العالم للقدوم إلى الأردن والاستثمار فيه، وهذا أمر جيد ويبادر به الملك في كل مناسبة يلتقي بها بمؤسسات أو شخصيات أجنبية، الا أنه لا بد من الاعتراف بأن مردود هذا الجهد لا يزال متواضعا، لأن الحكومة بجهازها الكبير لا تستكمل المتطلبات اللازمة على الأرض، وإذا دخلت بعض الاستثمارات، فإنها غالباً ما تتجه إلى " شراء الموجودات والأصول” من عقار أو أسهم أو بنوك أو فنادق أو حتى مصانع قائمة،وهذه استثمارات لا تضيف إلى الإقتصاد الوطني شيئا، بل تعمل على استنزاف الثروة الوطنية بطريقة غير مباشرة. وقليلة جدا تلك الاستثمارات التي تأتي عنها إضافات جديدة، وخاصة في المشاريع الصناعية والزراعية والإنتاجية.
ويبدو أن الإدارات لا تزال غير مقتنعة بأن الدعوة والترحيب،حتى والجنسية، كل ذلك غير كاف لجذب الاستثمارات،ذلك أن المستثمر ينظر إلى مفردات،غير الإعفاءات الضريبية التي يتم التركيز عليها، وأهمها: أولاً : مدى نشاط الاستثمار الوطني وحجمه وتوجهاته وانتشاره ومساهميه والتي تعبر جميعها عن حالة البيئة الإستثمارية والتسهيلات الكامنة فيها بل وجاذبيتها. ثانياً :المجالات التي يقبل عليها الإستثمار الوطني بثقة وفاعلية ووفق "اطلس استثماري” متوافق عليه ومدعوم من الدولة، يبين المشاريع ومواقعها المفضلة وتوقيتاتها الزمنية. ثالثا:حكم القانون ومؤشراته الرقمية، ونزاهة القضاء واستقلاله وناجزيته. رابعاً: مدى استشراء الفساد في مراكز صنع القرار ولدى الموظفين، أي الفساد الكبير والصغير، ومدى استعداد الدولة لدعم وحماية الاستثمار. خامساً : توافر ومرونة القوى العاملة المدربة مهنيا وتكنولوجيا، وانفتاح آفاق التصدير حين يكون حجم الإقتصاد صغيراً كما هو الحال في الأردن.سادسا: استقرار التشريعات ومرونة مؤسسات التمويل واستعدادها للتعاون مع المستثمر دون تحكم أو إجحاف.
وهذا يعني أن حملة الإدارات الرسمية لتشجيع الاستثمار يجب أن تبدأ وتستمر وتتنامى أولاً مع المستثمر الوطني، حتى يصبح قوة جذب للمستثمر الأجنبي، والذي يريد أن يتعرف على نموذج الشراكة والدعم بين القطاع الخاص والقطاع العام، وثانياً : مع الموظفين ذوي العلاقة وتأهيلهم لتحمل مسؤولية جذب الاستثمار وتسهيل أعمال المستثمر وتحفيز الاقتصاد الوطني ومواجهة البطالة واشاعة جو من الثقة. وهذا يتطلب أولاً : المباشرة الفورية والجادة من الحكومة لحل مشكلات الشركات المتعثرة والصناعات المهاجرة ("مصنعا مصنعا” كما قال معالي جمال الصرايرة نائب رئيس الوزراء)، والسياحة المرتفعة التكاليف، والزراعة المهددة بالانهيار، من خلال لجان متخصصة لديها الخبرة في حل المشكلات بالتعاون مع غرف الصناعة والسياحة والزراعة والبنوك والجامعات. ثانياً :أن تبحث الحكومة من خلال لجنة خبراء مستويات التكاليف وخاصة تكاليف الاستثمار في الأردن، والأسعار ولماذا يكون ترتيب عمان في الغلاء 28 على مستوى العالم. ثالثاً :اعفاء مدخلات الانتاج ووسائله للقطاعات الصناعية والزراعية من الرسوم والضرائب بشكل واضح وقاطع ونهائي، واعطاء نوع من الحماية للمنتج المحلي، فذلك تحفيز حقيقي للإقتصاد رابعاً: تيسير التمويل للمستثمر المحلي والأجنبي من خلال بنوك انماء صناعية وزراعية وسياحية تساهم فيها الدولة،وبشكل يطمئن المستثمر الوطني والأجنبي على حد سواء. هكذا يشعر المستثمر الأجنبي أن الدولة تأخذ مسألة الاستثمار كأولوية، فيقتنع بالمخاطرة؛ لأنه يرى المستثمر الأردني يخاطر أيضاً. خامسا :التوسع في إنشاء "مراكز التدريب التكنولوجي المهني المتخصص” حسب القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية وبالتعاون والتشارك المتكافىء مع القطاعات الإنتاجية المتخصصة.
ولا سبيل لتحفيز الاقتصاد الأردني دون أن تسارع الحكومة بمراجعة رؤيتها وفلسفتها بإعطاء الأولوية لاجتذاب المستثمر الأردني بما في ذلك صغار المدخرين، فيتشجع الأجنبي، ولا بد من فتح الباب لمجموعة من المواد التي يتم استيرادها اليوم لأن تصنع في الأردن، وهذا كله سيغير من نظرة المستثمر الأجنبي فيتحرك نحو الأردن.
ومن جانب آخر فقد اضرت اتفاقيات التجارة الحرة التي تم عقدها مع عدد من الدول بالاقتصاد وبالاستثمار الأردني ضرراً كبيراً، باستثناء بعض الاتفاقيات مع بعض الدول العربية،ذلك أن جميع اتفاقيات التجارة الحرة الأخرى عملت على زيادة العجز التجاري وعملت على جعل السوق الأردني ساحة مفتوحة للتجارة الدولية، فمن هو المستثمر الوطني والأجنبي الذي يستطيع أن ينافس السلع الصينية والكورية والهندية والفيتنامية والتركية والسويسرية والفرنسية في سوق الأردن المرتفع التكاليف ؟ وأي صناعة أو زراعة أو سياحة يمكن أن تزدهر إذا كانت تكاليفها أضعاف النظير المستورد بسبب الضرائب والبطء والتعقيدات الإدارية وصعوبة التمويل؟.
وعليه، فلا بد من مراجعة شاملة وعميقة لهذه الاتفاقيات، بما فيها المناطق الخاصة والمؤهلة والحرة ومن منظور اقتصادي وطني، وليس من منظور علاقات سياسية وتعبيرات عن حسن النوايا، ومثل هذه المراجعة يجب أن تشمل الميزان التجاري بين البلدين ونسبة القيمة المضافة الأردنية في السلعة المنتجة محلياً، وكذلك نسبة العمالة الوطنية فيما يتعلق بالمناطق الصناعية الحرة أو الخاصة أو المؤهلة، فصادراتنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية من المناطق المؤهلة الخاصة تصل إلى 1200 مليون دولار سنوياً، ولكن القيمة المضافة الأردنية فيها لا تتجاوز 100 مليون دولار. ومن جهة أخرى فالدولة التي توقع مع الأردن اتفاقية تجارة حرة لا يعود من مصلحتها مساعدة الأردن على التصنيع، وعلى ادخال التكنولوجيا، ولذا تضع العقبات الإدارية في الطريق.
إن الهدف من هذه المراجعات يجب أن يكون واضحاً ومحدداً،وهو إعطاء مزيد من الفرص الأكيدة المستقرة على مدى السنوات القادمة للانتاج الوطني سواء كان قائماً أو جديداً، و”عدم افتراس الصناعات الأجنبية لصناعاتنا الوطنية”(معالي جمال الصرايرة)، حتى يقوى إنتاجنا ويجد أسواقاً حقيقية مفتوحة. وينبغي أن نتذكر أن تخفيض قيمة المستوردات الأردنية بمقدار 5 مليارات دينار من أصل 16 مليار دينار، هي مجمل مستورداتنا، هذا التخفيض إذا تم تصنيعه في الأردن فإنه سيخلق فرص عمل لأكثر من 200 ألف يد عاملة، وهذه هي الطريق الوحيد لمواجهة البطالة وتنشيط وتحفيز الإقتصاد الوطني وتحسين ايرادات الحكومة وتخفيف الضغوط الاجتماعية التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، والتعامل مع المستقبل المتقلب الذي ينتظر المنطقة.