اخليف الطراونة يكتب عن "طرد" الموظف العام!
جو 24 :
كتب الأستاذ الدكتور اخليف الطراونة -
يبدو أن الحكومة تحاول أن تغيّر الصورة النمطية عنها، من خلال ما تسعى له من محاولات لجلب الاستثمار وجعل الأردن بيئة حاضنة وجاذبة له، يرافق ذلك سعي حثيث منها في خلق مناخ مناسب لذلك كله، ولا سيما في تعامل موظفي القطاع الحكومي مع هؤلاء المستثمرين، الذي ترى جانبا منهم يعيق الاستثمار، ويضع أمامه حجارا من البيروقراطية والتسويف والتعطيل.
لذا جاءت تصريحات الحكومة عبر الناطق الرسمي فيها، ومن خلال رئيس ديوان الخدمة المدنية ايضا حول تقييم الموظف العام تصبّ في هذا الاتجاه، وأنا مع هذا التقييم الذي يفرز الغلال عن الحصى، ويميز بين الغث والسمين، ويعطي المجتهد حقه تحفيزا وتطويرا ومكافأة، ويعاقب المتخاذل بحرمانه من هذا كله.
أرفض أن تستخدم كلمة (طرد)؛ لأنني أراها كلمة قاسية على السمع ولا يجوز استخدامها لموظف في القطاع العام ويمكن استبدالها بكلمة الاستغناء عن خدماته أو فصله من العمل مثلا. وهو مصطلح يعيدنا إلى عصور الاستبداد الإنساني عندما كان الاقطاعي يطرد العمال من مزرعته المستولى عليها من هؤلاء البسطاء، أو عندما يطرد صاحب الأغنام "الراعي"، حال تفريطه بالقطيع، وبالتالي استخدام هذا المصطلح غير جائز إداريا وإن كان يستخدم حاليا في السلك الدبلوماسي لغايات محدده مثل أن يقال تم طرد سفير دولة كذا أو طرد عدد من موظفي سفارة دولة كذا لارتباطهم بأعمال التجسس وغيرها من الأعمال المشينة.
يجب علينا اليوم قبل أن نُخضع الموظف الحكومي للتقييم أن نسعى لتطويره وتحفيزه، من خلال الدورات والمحاضرات والندوات، وتغيير عقليته من موظف حكومي يأتي صباحا ليقضي ساعات العمل دون إنتاجية، إلى موظف مبدع يشبك بين الفكر والتطبيق، ونحاول إخراجه من صندوق الوظيفة إلى فضاء الإبداع والابتكار والتجديد، ومن خانة البحث عن عمل إلى خلق العمل للذات والآخرين، ومن الاستهلاك الوظيفي إلى الإنتاج والمنافسة والتفوق.
كما يجب أن نراعي الله والوطن في هذه التقييمات التي أخشى أن تتدخل الواسطة والمحسوبية فيها، فنستغني عن الأكفياء، ونبقي على المُعطلين، فنغدو (كأنك يا أبو زيد ما غزيت)، فلدينا في الأردن جهاز بيروقراطي عتيد أسهم في بناء الوطن والبلاد العربية الأخرى، يجب البناء عليها لا تحطيمه، مع دعوتي المتكررة لإنشاء هيئة عليا للموارد البشرية تكون مرتبطة بالدلالةالى جلالة الملك، تحتوي على هذا الشتات من المؤسسات التي تُعنى بالموارد البشرية، والتي تتضارب أحيانا في مسؤولياتها وأعمالها.
نعم لتقييم الموظفين في القطاع الحكومي والهيئات المستقلة والجامعات بيوت الخبرة الوطنية، ولكن لا لتكسير منجزنا البشري الذي هو أعز وأغلى ما نملك، فما ينفع الناس يمكث في الأرض، وأما الزبد فيثب جفاءً، وحمى الله الأردن شعبا وقيادة ووطنا نُسيجه بحبات العيون والقلوب.