jo24_banner
jo24_banner

كيف يهون عليك أخوك الشامي؟؟

د. سليم الشريف
جو 24 :

يمكن أن يصل الإنسان لأقصى مراحل الغضب والتوتر أو الخوف أحيانا، فإما أن يقوم بالهرب أو الشجار مع آخر أو يصرخ، وأحيانا قليلة يفقد العقل سيطرته فيقتل، نعم يقتل ويبشع بالقتل أحيانا، وتسمى حالة عرضية هستيرية أدت لمقتل فلان على يد فلان الذي سلّم نفسه للشرطة مباشرة.
أما أن يصل الحد إلى تقييد الأيدي للخلف وحتى بدون عصب العينين (كما فعل معظم سفاحي الحروب) وبدون محاكمة أو هيئة دفاع أو حتى استرحام ميؤوس أو الاستجابة للأمنية الأخيرة لمحكومي الإعدام، ولمجرد أنه خصم تتم تصفيته جسديا، بدون أدنى تذكّر لأسخف وثيقة تصون حقوق الإنسان.
ويا ليت الحالة فردية، يا ليت .... كلا، ولهول المسألة إنها حفلة تصفيات وإعدامات جماعية لم يشهدها التاريخ إلا على يد التتار والساسان والحرب العالمية النازية الثانية والبوسنة والهرسك مؤخرا، لكن تلك الشعوب كانت مختلفة، أي أنها تقاتل أمةً أخرى، أما المخزي المبكي بالشام، شام الجمال، شام الطيبة والرقة والإبداع، شام الزبداني ومعرض دمشق الدولي واهيب كلية حقوق، فالمخزي انه يتحدث باللهجة الشامية الرقيقة نفسها ويحمل الهوية السورية نفسها ويقطن بالحي نفسه أو ممكن بجواره ( بالزقاق) ويصلي صلاته نفسها ويشهّد عند مماته بالتشهيد نفسه ويقال عنه مواطن سوري الهوية. يا عيب العيب على إنسانيتنا... يا عيب العيب على ارثنا الذي سيحمله التاريخ لأحفادنا... يا عيب العيب عند لقاء ربنا.... يا عيب العيب يا شام....
كيف يهون على مخلوق بشري من الملة نفسها والدم نفسه و الدين والهوية، أن يصفف أعدادا مهولة من شباب وطنه الشام بعمر الورد، بجرف نهر نقي ويطلق النار عليهم، يا للهول. كان ممكن أن يكون أحدهم بنّاءً والآخر طبيبا والتالي طباخا والأخير رجل اطفاء واخوه خياطا للقطن السوري الراقي، كيف يهون عليه أمام نهر ماء الوضوء لعباد الله، يوقفهم و يقتلهم ثم يتأكد من قتلهم بأن يعيد الكرة برصاصة على رأس كل جسد خائر من الثقوب، تلك الثقوب من رصاص دفع ثمنه الشعب السوري من أجل رفعة بلده و تحرير أرضه لا من أجل غربلته مع الطين والدم و نهر الماء الطهور.
حين يصل الحال بمجتمع لهذا المستوى اللاإنساني، متغافلين ثلاث دوائر ممكن أن تجمعهم ولا تفرقهم أولها الدائرة الإنسانية التي يتصالح بها الإنسان مع أخيه الإنسان بغض النظر عن هويته الجغرافية وتتشيّد عبر مر التاريخ بتلك الدائرة الحضارات الجديدة، عند غضب الطبيعة مثلاً والكوارث وصراع البقاء، وثانيها الدائرة القومية التي تجمعنا كعرب وأهل أرض ومدينة وقرية وريف، وكانت هذه الدائرة السبب في ظهور مفهوم الديمقراطية من خلال حكم الأغلبية على الأقلية وليس العكس، وهذا المحور الهام تناسيناه أيضا، إلى الدائرة الثالثة والأهم، ألا وهي الدائرة الدينية التي تجمعنا كموحدين لخالق واحد ورسائل سمأوية من رب واحد حرم القتل الكذب والسرقة وانتهاك الحرمات مع كل رسول ورسالة، ومع ذلك كلّه من موجبات التقارب، تجاوزنا كل المستويات القصوى من الجور حتى الوصول للحقد المرضي بأشكاله التي يعجز العاقل عن وصفها أو حتى تخيلها، فعلى الدنيا السلام وعلى الشام السلام.
بطريق لا رجعة فيه إلى المجهول إلى الهاوية ستزرع الأحقاد و الثارات لأجيال متعددة، تحمله بين أضلعها، تارةً تعكسها على نفسها وتارةً ثانية تعكسها على الآخر، فيستمر القتل بعد القتل بشكله الجسدي والمعنوي الروحي وهو الأصعب.
هل هو الإرهاب أم هي الحرب الأهلية أم الحرب الطائفية أم الإرهاب الدولي أم إرهاب الدولة؟ سؤال يسأله كل مشاهد للمجازر البشعة. إن الأصل اللغوي لكلمة إرهاب يشير إلى الرعب والفزع والهلع أو ترويع الناس وإثارة الخوف في نفوسهم، وتتصل الجريمة الإرهابية بالعنف أو القسوة أو الشدة أو الحدة أو السلوك العنيف أو القاسي أو المتهيج الذي يرهب الناس أو الذعر أو الفظاعة أو الهول ، وما يسبب قلق الناس وهناك عصور عرفت بالتاريخ باسم عصر الإرهاب فهل التاريخ يعيد نفسه بالشام؟
ولنقشع الضباب عن الجانب النفسي لما يعيشه إخوتنا لنصف ما يحدث بالفزع والدرجة البالغة من الخوف أو المخاوف الشديدة كالأهوال، فالعنف أو الإكراه يستخدم بصورة غير مشروعة وغير قانونية للتأثير على إرادة الإفراد وإبقائهم بالخوف الشديد فلا يبقى أمامه إلا حلان لإعادة توازنه النفسي كلاهما مر، فإما النزوح وهذا ما حدث ويحدث بالمخيمات، وإما المقاومة وهذا ما يحدث أيضا مع ما تحتويه فلسفة حرب الشوارع لمبدأ العين بالعين والسن بالسن، وما يشملها من شر انتقامات وثارات ورد الصاع صاعين أحيانا كثيرة، وفظائع بشعة يندى لها الجبين الإنساني، لان قوة المنطق ألغيت وحل بدلها منطق القوة.
متى صَرخَ العقلاء وخرجوا عن صمتهم المؤذي لبلدهم وخرجوا من صفوف الجائرين وصحية ضمائرهم وتمت محاسبة من بطش وتجبر من كل الأطراف، فعندها يمكن أن تهدأ النفوس وترتاح الأرامل والأمهات الثكلى، ويعاد تفعيل وظائف الضمير الأخلاقي، ولن يعوض الشام خسارة ابنائها لخمسين سنة قادمة مع نعمة الله من النسيان ولو رويدا رويدا، فالسلام والتسامح يحتاج إلى حراس ودعاة للحفاظ على المكاسب الشعبية وارث الأحفاد.
حمى الله الشام و أهلها، ولمن هانت دماء أهله عليه نقول لنتعلم من التاريخ يا بشر ولا أقول يا وحوش.

*عميد شؤون الطلبة/جامعة الشرق الأوسط
(العرب اليوم)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير