jo24_banner
jo24_banner

اليسار "الفعلي" وخطاب المؤامرة

شاكر جرار
جو 24 :

يعتقد البعض ان المؤامرة الكونية هي التى تقف اليوم وراء حركة التاريخ وسيرورته، وهذا ليس بجديد بتاريخ الثورات، حيث يشير كرين برنتون ان كل الثورات شهدت جدلاً حول ما اذا كانت مؤامرة ام لا، فالمعارضون للثورة الفرنسية كانوا يصرون على انها من فعل اقلية مدبرة خبيثة من الماسونيين والمهيجين المحترفين، الذين سيطروا على الصحف فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر واعتادوا العمل منظمين، وفي حالة ثورة اكتوبر خرجت العديد من الأصوات تتهم الثورة بأنها مؤامرة يقف خلفها الألمان، واستدلوا على ذلك بأن لينين مرّ بالقطار من المانيا انذاك، وفي نظر أنصار اسرة ستيوارت كانت الثورة الكبرى مؤامرة ناجحة لسوء الحظ، قام بها الكلفانيون المحبون للمال ضد انجلترا ذات التقاليد.

هذا لا يعني انني هنا انفي اي وجود لمحاولة القوى الامبريالية حذف مسار الثورة او السيطرة عليها في هذا البلد او ذاك، لا بل اؤكد ان المؤمرات قائمة في كل بلدان الحراك العربي، وببساطة تامة تصل حد البداهة، يمكن الإدراك بأن الولايات المتحدة الامريكية وبقية القوى الغربية، وبحكم طبيعتها الامبريالية، لن تلعب دور المتفرج حيال ما يجري اليوم من تحولات كبيرة في منطقتنا العربية.

لكن استناد الخطاب إلى نظرية المؤامرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحديث حول تطورات الاوضاع في سورية، والتركيز على هذه النظريّة وكأنها العامل الاساسي لحركة الجماهير الشعبية اليوم، وان شعوبنا ساذجة لدرجة انها تتحرك على الريموت كنترول، دون التطرق الى الاسباب الموضوعية وراء هذا الحراك العربي، ما هو الا دعوة صريحة لتأبيد الواقع والعمل على سكونية وتعطيل حركة التاريخ، وما هذا الا ضرباً من الخيال.

ان المخاض التاريخي الذي نشهده اليوم، لا يمكن له -بطبيعة الحال- ان يتم بمعزل عن القوى الامبريالية، كما انه لا يتم بمعزل عن القوى الاجتماعية التى تعمل بدورها على المحافظة على جذرية الحراك، وعدم حرفه عن مساره التحرري.

اليسار "الفعلي" الذي يتحدث عنه المؤيدون للنظام السوري، يحاول تغييب تطور الاحتقان الاجتماعي الرافض لواقع باتت كل مقوماته تدعو للانتفاض عليه، وهذا اليسار يعتقد ان عليه الوقوف بجانب هذا النظام، والاستمرار برحلات الشتاء والصيف ما بين عمان ودمشق، وبذل كل محاولات الفصل بين مواجهة انظمة القمع والافقار والتهميش، وما يعتقد أنه مواجهة للقوى الامبريالية، حيث يصرّ اليسار "الفعلي" على خطابه بحجة حماية سورية من التدخل الامبريالي، ومن وصول القوى الاسلامية "الظلامية" الى السلطة، وما هذا الا طرح يساري مغلف بآليات شبه معرفية سلفية، حاصرت نفسها في الهموم السياسية المباشرة، بعيدا عن أي فكر يساري علمي يمكن له الإدراك بأن الاستبداد "العلماني" الذي ينتج الافقار والتهميش والقمع بحكم تركبيته وبنيته، ما هو الا بيئة خصبة لظهور جبهة النصرة والقوى الامبريالية .

إن اليسار الفعلي بالمعنى الحقيقي للكلمة، هو الذي يثق بحركة الجماهير المسلحة بوعيها التاريخي، التى ستقف في موقعها الطبيعي لصناعة مستقبلها، عبر القطع مع سلطة الافقار والتهميش والحكم الاوليغاركي، الذي يعتقد بعض اليساريين انه الضامن الوحيد للحماية من بعبع الاسلاميين والتدخل الامبريالي !

وأخيرا.. فإن التاريخ لن يستأذن أحدا في حركته وسيرورته.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير