الزواج النيابي الحكومي
نضال منصور
جو 24 : بعد أن ينتهي البرلمان من المشاورات النيابية لاختيار رئيس للوزراء، ثم فريق وزاري، من المفترض أن يتفرغ لعمله التشريعي والرقابي، لإعادة الهيبة لمجلس الشعب الذي فقد هيبته طوال العشرين عاماً الماضية، ولم يعد يثق به الناس.
أعتقد أن أولوية النواب يجب أن تنصب على إعادة الاعتبار للسلطة التشريعية، التي تغولت عليها الحكومة، وأجهزتها الأمنية، فأصبحت للأسف ومن خلال التجارب تُؤمر بأمرها، ولا تستطيع أن تخالفها أو ترد لها طلباً.
لا يوجد مانع دستوري يضع فيتو على أن يكون رئيس الوزراء من البرلمان، وكذلك الوزراء، وفي العقدين الماضيين تجارب متعددة في هذا الاتجاه، فالرئيس مضر بدران اختار وزراء له من مجلس النواب، وتحديداً من الإخوان المسلمين، وما تزال هذه التجربة مثار جدل وانقسام في الآراء حول أداء وزراء الإخوان الذين تولوا أهم الوزارات، ومنها التربية والتعليم، والتعليم العالي، والصحة، والتنمية الاجتماعية، والأوقاف، وكان السؤال بعد ذلك ماذا فعلوا، وما هو الأثر الذي تركوه، وكيف يقيّم الإخوان هذه التجربة؟.
هناك من يتندر على تجربة الإخوان في السلطة التنفيذية، فيقول إنهم تقدموا بقانون لتحريم الخمر، وآخر لمنع الاختلاط في المسابح، وظلت مشاريع هذه القوانين في أدراج مجلس الأعيان حتى هذه اللحظة، فإن عادوا إلى تجربة المشاركة في الحكومات أو قيادتها هل سيعيدون تجربة الماضي، أم تعلموا خاصة من الإسلاميين الذين يحكمون الآن في مصر وتونس وتلاحقهم الانتقادات؟!.
الحديث عن تجربة مضر بدران في توزير الإسلاميين مهمة، وخاصة الآن، بعد أن أشيع بأن البرلمان قد يتجه باتفاق مع القصر لترشيح شخصية إسلامية معتدلة مثل عبداللطيف عربيات لقيادة دفة الحكومة، من أجل إدماج الإخوان المسلمين في اللعبة السياسية، بعد أن قاطعوا الانتخابات البرلمانية.
هذا السيناريو بعيد التحقق، لأن المطلوب ليس عربيات رئيساً، بل حزب جبهة العمل الإسلامي والإخوان المسلمين شريكاً، ولا أرى أن الظروف نضجت لا عند الإسلاميين، ولا عند مؤسسة الحكم "للنزول عن الشجرة" والجلوس على طاولة المفاوضات للبحث عن مخرج لأزمة الإصلاح في البلاد، ولكن الترويج لمثل هذا الخيار والسيناريو يشير إلى أن شعرة معاوية لم تقطع بين الطرفين، وأن اللجوء لكل الحلول ممكن في اللحظات الأخيرة!.
ولم تكن تجربة مضر بدران الوحيدة في عمر الحكومات البرلمانية، فلقد ذهب طاهر المصري إلى نفس التجربة مع فارق أنه لم يتحالف مع الإسلاميين، بل فتح الأبواب للتجمع الديمقراطي الذي كان يضم شخصيات وازنة من اليساريين والقوميين، ولم يكتب لتجربة المصري أن تدوم طويلاً بعد أن تحالف ضده خصومه وحتى من كان يعتبرهم أصدقاءه، واختار المصري أن يقدم استقالة حكومته لجلالة المغفور له الملك الحسين رافضاً الموافقة على حل البرلمان.
التجربة الأخيرة في الحكومات البرلمانية كانت من نصيب الرئيس عبدالكريم الكباريتي الذي صنع مزيجاً وزارياً يضم أطيافاً من اليمين واليسار، وأخذ دعماً قل نظيره من الملك الحسين، وبدأ في تنفيذ أول ثورة بيضاء، وحتى هذه التجربة الحكومية لم تكتمل بعد أكثر من عام بقليل، وكتب الحسين رداً على رسالة استقالة الكباريتي القوية، والتي لم يعهدها أحد من قبل وما تزال تراجع كل معانيها.
الحكومات البرلمانية في العقدين الماضيين نجحت في تحقيق اختراق للبرلمان وكسب الثقة، لكنها لم تترك بصمة مختلفة، فالمشكلة ليس في توزير النواب، فهذا أمر سهل جداً، وإنما في نواب يأتون للحكومة دون مرجعية سياسية وحزبية، ولا يملكون غالبية برلمانية تحت القبة، فهم بذلك لا يتركون أثراً بارزاً، ويصبح الأجدى لهم حتى تتبلور أحزاب أغلبية أو تحالفات حزبية في البرلمان أن يتفرغوا لرقابة الحكومة وتمثيل الناس وإنجاز أجندة الإصلاح كمرحلة انتقالية.
باختصار لا تجد فكرة الزواج النيابي مع الحكومة قبولاً بين الناس، فهم يميلون إلى نواب يبقون شوكة في حلق الحكومة.الغد
أعتقد أن أولوية النواب يجب أن تنصب على إعادة الاعتبار للسلطة التشريعية، التي تغولت عليها الحكومة، وأجهزتها الأمنية، فأصبحت للأسف ومن خلال التجارب تُؤمر بأمرها، ولا تستطيع أن تخالفها أو ترد لها طلباً.
لا يوجد مانع دستوري يضع فيتو على أن يكون رئيس الوزراء من البرلمان، وكذلك الوزراء، وفي العقدين الماضيين تجارب متعددة في هذا الاتجاه، فالرئيس مضر بدران اختار وزراء له من مجلس النواب، وتحديداً من الإخوان المسلمين، وما تزال هذه التجربة مثار جدل وانقسام في الآراء حول أداء وزراء الإخوان الذين تولوا أهم الوزارات، ومنها التربية والتعليم، والتعليم العالي، والصحة، والتنمية الاجتماعية، والأوقاف، وكان السؤال بعد ذلك ماذا فعلوا، وما هو الأثر الذي تركوه، وكيف يقيّم الإخوان هذه التجربة؟.
هناك من يتندر على تجربة الإخوان في السلطة التنفيذية، فيقول إنهم تقدموا بقانون لتحريم الخمر، وآخر لمنع الاختلاط في المسابح، وظلت مشاريع هذه القوانين في أدراج مجلس الأعيان حتى هذه اللحظة، فإن عادوا إلى تجربة المشاركة في الحكومات أو قيادتها هل سيعيدون تجربة الماضي، أم تعلموا خاصة من الإسلاميين الذين يحكمون الآن في مصر وتونس وتلاحقهم الانتقادات؟!.
الحديث عن تجربة مضر بدران في توزير الإسلاميين مهمة، وخاصة الآن، بعد أن أشيع بأن البرلمان قد يتجه باتفاق مع القصر لترشيح شخصية إسلامية معتدلة مثل عبداللطيف عربيات لقيادة دفة الحكومة، من أجل إدماج الإخوان المسلمين في اللعبة السياسية، بعد أن قاطعوا الانتخابات البرلمانية.
هذا السيناريو بعيد التحقق، لأن المطلوب ليس عربيات رئيساً، بل حزب جبهة العمل الإسلامي والإخوان المسلمين شريكاً، ولا أرى أن الظروف نضجت لا عند الإسلاميين، ولا عند مؤسسة الحكم "للنزول عن الشجرة" والجلوس على طاولة المفاوضات للبحث عن مخرج لأزمة الإصلاح في البلاد، ولكن الترويج لمثل هذا الخيار والسيناريو يشير إلى أن شعرة معاوية لم تقطع بين الطرفين، وأن اللجوء لكل الحلول ممكن في اللحظات الأخيرة!.
ولم تكن تجربة مضر بدران الوحيدة في عمر الحكومات البرلمانية، فلقد ذهب طاهر المصري إلى نفس التجربة مع فارق أنه لم يتحالف مع الإسلاميين، بل فتح الأبواب للتجمع الديمقراطي الذي كان يضم شخصيات وازنة من اليساريين والقوميين، ولم يكتب لتجربة المصري أن تدوم طويلاً بعد أن تحالف ضده خصومه وحتى من كان يعتبرهم أصدقاءه، واختار المصري أن يقدم استقالة حكومته لجلالة المغفور له الملك الحسين رافضاً الموافقة على حل البرلمان.
التجربة الأخيرة في الحكومات البرلمانية كانت من نصيب الرئيس عبدالكريم الكباريتي الذي صنع مزيجاً وزارياً يضم أطيافاً من اليمين واليسار، وأخذ دعماً قل نظيره من الملك الحسين، وبدأ في تنفيذ أول ثورة بيضاء، وحتى هذه التجربة الحكومية لم تكتمل بعد أكثر من عام بقليل، وكتب الحسين رداً على رسالة استقالة الكباريتي القوية، والتي لم يعهدها أحد من قبل وما تزال تراجع كل معانيها.
الحكومات البرلمانية في العقدين الماضيين نجحت في تحقيق اختراق للبرلمان وكسب الثقة، لكنها لم تترك بصمة مختلفة، فالمشكلة ليس في توزير النواب، فهذا أمر سهل جداً، وإنما في نواب يأتون للحكومة دون مرجعية سياسية وحزبية، ولا يملكون غالبية برلمانية تحت القبة، فهم بذلك لا يتركون أثراً بارزاً، ويصبح الأجدى لهم حتى تتبلور أحزاب أغلبية أو تحالفات حزبية في البرلمان أن يتفرغوا لرقابة الحكومة وتمثيل الناس وإنجاز أجندة الإصلاح كمرحلة انتقالية.
باختصار لا تجد فكرة الزواج النيابي مع الحكومة قبولاً بين الناس، فهم يميلون إلى نواب يبقون شوكة في حلق الحكومة.الغد