jo24_banner
jo24_banner

الحكومات البرلمانية : إعلاء للسياسة أم الدستور

د. جهاد الجراح
جو 24 : " لا إسلام بلا جماعة , ولا جماعة إلا بإمارة , ولا إمارة إلا بطاعة " عمر بن الخطاب

الانسان مدني بفطرته , لذا فان هذه المدنية توجب عليه ان يكون اجتماعيا بطبعه , وبالتالي العيش في جماعات , وان الانخراط في هذه الجماعات يترتب عليه ان يتنازل عن حريته المطلقة التي كان يعيشها بصفة منفردة , وعن بعض حقوقه لصالح المجموع وبالمقابل يفرض عليه ايضا بعض الواجبات للحفاظ على كيان المجموع , وقد ارتقى هذا المجموع من الأنا الى الأسرة ثم الى العشيرة وصولا للدولة , وهذه “ status” الاخيرة يرجع بعض المشتغلين بالقانون اصلها الى الجذر اللاتيني والتي تعني الاستقرار , كما ان العلامة ابن خلدون قد استعمل مصطلح الدولة في مقدمته المشهورة , ولكي يدوم هذا الاستقرار للدولة لا بد ان يكون قائما على اركان ثابتة , ولذا عرف بعض المشتغلين بالقانون الدولة بانها : مجتمع منظم يخضع لسلطة سياسية ويرتبط باقليم معين , ويتضح بجلاء من هذا التعريف , ان هناك ثلاثة اركان اساسية لقيام الدولة هي : الشعب والاقليم والسلطة السياسية , والاخيرة اساسها الخضوع بالرضا لان السلطة وحدها لا تخلف الانقياد , ولذا فان الخليفة العادل عمر - رضي الله عنه – لخص ما سبق بالقول : لا اسلام بلا جماعة , ولا جماعة بلا امارة , ولا امارة الا بطاعة .


وعليه فان السلطة ليست ملكا للحكام بل يمارسونها نيابة عن الامة ولصالحها ضمن ما يسمى بمنظومة الدولة القانونية والتي تعني ان للسلطة ضوابط لا تتعداها , وذلك بهدف تقنين العلاقة بين الحاكم و المحكوم وهذا ما يطلق عليه الفقه الفرنكفوني : مبدأ المشروعية , بينما يطلق عليه الفقه الانجلوسكسوني مبدا سيادة القانون , و بالتالي فان التصرفات الصادرة من السلطات العامة لا تعتبر منتجة لآثارها القانونية الا بمقدار التزامها بقواعد القانون , وهذا الالتزام هو الذي يميزها عن الدولة الديكتاتورية حيث تكون السلطة بيد فرد او جماعة او هيئة او حزب دون ان تكون مقيدة بقواعد القانون , وبالتالي فان تركيز السلطات و تجميعها في يد واحدة يؤدي الى الغلو و الاستبداد ومن ثم الاعتداء على حقوق الافراد , وعبر عما سبق اللورد اكتون الانجليزي بقوله : " السلطة مفسدة , والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة " , ولذا جاء مبدا الفصل بين السلطات وتوزيعها ليوفر ضمانة للمحكومين من استبداد الحكام وسلاحا فعالا ضد الحكومات المطلقة التي كانت تجنح الى تركيز جميع السلطات بيد واحدة , وعليه فقد تم تقسيم وتوزيع وظائف الدولة على سلطات ثلاث تختص كل سلطة بجزء من المسؤولية مع وجود تعاون ورقابة متبادلة بين هذه السلطات بحيث تتولى السلطة التشريعية مهمة تشريع القوانين ورقابة السلطة التنفيذية التي يوكل لها مهمة تنفيذ القانون , بينما تقوم السلطة القضائية بالفصل في المنازعات استنادا الى التشريع الذي وضعته صاحبة الاختصاص.

وهذا التوزيع للاختصاص يحول دون الاستبداد , ذلك ان السلطة توقف السلطة بواسطة ما تملكه ازاء الاخرى من وسائل الرقابة الدستورية , وبالنتيجة اقامة التوازن والتعاون بينها وبحيث لا تطغى او تسيطر احداها على الاخرى وبالاتفاق مع ما سبق جاء الدستور الاردني ليقسم السلطات و ينظمها ويحدد اختصاصاتها في المواد24 -27 منه حيث اناط السلطة التشريعية بمجلس الامة والملك , اما السلطة التنفيذية فقد اناطها بالملك وبحيث يتولاها جلالته بواسطة وزرائه وبحيث يقيد ذلك بان يكون وفق احكام الدستور , اما السلطة القضائية فتتولاها المحاكم بدرجاتها وانواعها , ثم بعد ذلك اقام هذا الدستور التوازن والتعاون الدقيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على وجه الخصوص , واعطى لكل سلطة اسلحة دستورية و مفاتيح للاخرى حتى لا تتغول احداهما على الاخرى , ولذا منحت السلطة التشريعية بالاضافة الى اختصاصها الاصيل ( التشريع ) حق مراقبة اداء السلطة التنفيذية للقانون ولها في سبيل ذلك ان توجه اسئلة واستجوابات لاعضاء الوزارة ( م 96 من الدستور ) وبالتالي فان السلطة التنفيذية تكون مسؤولة سياسيا امام السلطة التشريعية , وهذه المسؤولية السياسية قد تكون مسؤولية تضامنية اي جماعية , او مسؤولية فردية تتعلق بوزير بمفرده , وقد تصل هذه المسؤولية الى حد طرح الثقة بالوزارة او باحد الوزراء ( م 54 من الدستور ) .
وبالمقابل فان للسلطة التنفيذية حق اقتراح القوانين وحق التصديق عليها واصدارها , والسلاح الاخطر هو حقها في حل مجلس النواب , وهذا ما حصل مع مجلسي النواب الاخيرين عندما كان اداؤهما ليس بالمستوى المطلوب شعبيا .
وعلى هذا فان من سمات النظام البرلماني وجود روح التعاون والتوازن والمراقبة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية لاجل صالح الافراد , فكل منهما تراقب الاخرى و تضبط مسارها حتى لا تطغى اي منهما على الاخرى , فهذا النظام البرلماني الذي يقوم على اسناد اختصاص منفصل لكل منهما , ولكنه فصل مشرب بروح التعاون ليثمر اداءا سياسيا يخلو من الهوى الا هوى المصلحة العامة للوطن و المواطن.
وبالتاسيس على ما سبق , ما هو مدى اتفاق قيام الحكومة البرلمانية مع مقتضيات وروح الدستور الاردني , وقبل ذلك ما هو المقصود بالحكومة البرلمانية ؟
ان القول ان الحكومة البرلمانية المقصود بها ان تتالف من اعضاء مجلس النواب هو قول يجافي ما تم بيانه من مبادئ دستورية يقوم عليها الدستور الاردني ويعيدنا الى المربع الاول حيث تتركز وظائف الدولة في يد واحدة وبالتالي العودة الى الحكومات المطلقة التي كانت تعمد الى تركيز جميع السلطات بين يديها , والتي كافحت الشعوب ودفعت مهرا غاليا للتخلص منها للوصول الى الحكومات الديموقراطية ذلك ان الاولى لا يحد شهوتها للسلطة و السلطان الا حيث تصل اقدامها , اما الثانية فهي محكومة بالمراقبة من سلطة اخرى لتقييم ادائها ووقف مغالاتها , ولذا يذهب بعض الفقه الدستوري إلى القول أن الحكومة البرلمانية هي الحكومة التي تستند في شرعيتها و مشروعيتها الى ثقة البرلمان , وهذا الاخير لا يمنحها الثقة وان منحها اياها فانه لايستمر بذلك الا اذا كانت هذه الحكومة اهلا لتلك الثقة وبعد تقديم بيانها الوزاري الذي يمثل مصباحا لطريق سيرها السياسي وخطة عملها المستقبلية , ولذا فان المادة 53 من الدستور الاردني اوجبت على كل وزارة تؤلف ان تتقدم ببيانها الوزاري الى مجلس النواب خلال شهر واحد من تاريخ تاليفها وان تطلب الثقة على ذلك البيان .
اما الاستشهاد بالتجربة البريطانية حيث يستقل الحزب الذي يظفر بالاغلبية بالحكم فتشكل الوزارة من بين اعضاءه , على ان تقتصر مهمة الحزب الاخر على المعارضة داخل البرلمان و خارجه , فنقول ان لتلك التجربة اسبابها و مبرراتها و مسوغاتها المنطقية والقانونية و العملية , ذلك ان المعروف ان النظام الحزبي في بريطانيا وكذلك امريكا و معظم الدول الانغلوسكسونية يقوم بشكل أساسي عل حزبين قويين منظمين يمثل كل منهما اتجاه مختلفا , ففي بريطانيا يمثل حزب العمال الاتجاه اليساري بينما يمثل حزب المحافظين الاتجاه المحافظ التقليدي , ويتقدم كل منهما ببرنامج الى الناخب يمثل هذا البرنامج خطة العمل المستقبلية لهذا الحزب اذا ما فاز بالانتخابات , بينما يقدم الحزب الاخر برنامجا مغايرا ويقوم الناخب بدوره بانتخاب البرنامج الحزبي و بغض النظر عن اشخاصه بل انه ربما لا يعرف الاشخاص فما يهم الناخب هو البرنامج و ليس الشخص , ويقوم الناخب بمراقبة اداء ذلك الحزب اثناء وجوده في الحكم , وبالمقابل يشكل الحزب الاخر حكومة ظل ويقوم هو الاخر بدوره برقابة اداء الحزب الحاكم بهدف اسقاطه اذا فشل في تنفيذ برنامجه الذي وعد به الناخبين والدعوة الى انتخابات مبكرة , ولذا يكون من المنطق حتى ينفذ الحزب الفائز برنامجه الانتخابي أن تسند له الوزارات باعتبارها ادوات تنفيذية يتمكن من خلالها الوصول الى النتائج الموعودة للناخبين .
وبعد, هل نضجت تجربتنا الحزبية الى حد تقديم برامج عملية قابلة للتطبيق يتم انتخابها على هذا الاساس , و اين نحن من ذلك ؟ 
ام ان الهدف من ذلك استنساخ تجربة برلمانية لا تناسب ابدا قياسنا ؟ ام هو رشوة سياسية ليصبح النائب : معالي النائب , وهل الكتل التي تتشكل لديها برامج حقيقية يمكن تقديمها ؟ وهل هذه الكتل الهلامية قابلة للاستمرار باعتبار ان ما يجمع بين اعضائها مصالح انية ومعارف شخصية وليس برامج وخطط مستقبلية ؟ 
ثم الاهم من ذلك : من يحاسب من حيث يصبح الخصم هو الحكم ؟


جهة اخرى , لذا نحن امام امتحان اعادة الاعتبار لمجلس الامة من جهة و ثقة المواطن بالعملية الدمقراطية من جهة اخرى ,لذا فالمقامرة عسيرة و خطيرة . 

فهل من مسمع ؟!.....
" رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا"
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير