تقرير صندوق النقد الدولي يستوجب تكاتف الجميع
تقرير صندوق النقد الدولي الأخير يشير وبوضوح إلى التحديات والمصاعب التي يواجهها اقتصادنا الوطني في رحلة تعافيه من الأزمة التي تعصف فيه,ويشير التقرير إلى ضرورة اعتماد إستراتيجية مالية شاملة متوسطة المدى تعمل خلال ثلاث إلى خمس سنوات على تقليص العجز المستدام في الموازنة العامة للدولة و خفض الدين العام إلى مستويات مقبولة.
وعلى الرغم من وجود بوادر ايجابية في التقرير كالتحسن الحاصل في آلية الإنفاق الحكومي الذي تم من خلال التطبيق الجيد لمشروع الإصلاح المالي الذي تم على مدى عدة سنوات, و نجاح سياسة ربط سعر صرف الدينار بالدولار التي كان لها الدور الأكبر في استقرار الوضع المالي في الأردن,كما أشار التقرير وبشكل جلي إلى متانة الوضع المالي للبنوك وقدراتها على تطبيق المعايير الدولية"بازل",والجهود المبذولة في مجال مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال.
وفيما يتعلق بالبيانات المالية للشهرين الأولين من هذا العام, تشير الأرقام الصادرة من وزارة المالية في هذين شهرين إلى ارتفاع في الإيرادات بنسبة تجاوزت المتوقع وانخفاض في النفقات والمصاريف الجارية بنسبة جيدة, يأتي ذلك في ظل تعهد الحكومة بزيادة الإيرادات عما كانت عليه في عام 2011 على الرغم من عدم فرض أية ضرائب جديدة وتردي الوضع الاقتصادي حالياً,بالإضافة إلى أشارة قانون الموازنة العامة لعام 2012 بعدم تجاوز المصاريف الجارية للعام الحالي للمصاريف الجارية لعام 2011,رغم دخول برنامج هيكلة رواتب موظفي القطاع العام و الزيادة الحاصلة في رواتب المتقاعدين العسكريين والمدنيين حيز التنفيذ بداية العام الحالي وتوقع تجاوز تكاليفها الربع مليار دينار.
أرقام وزارة المالية للشهرين الأولين من هذا العام الصادرة هي في الحقيقة أرقام هشة, وهي قابلة للتغير في الفترة المقبلة من العام الحالي بشكل كبير إذا لم يتم تطبيق الإصلاحات المالية كما يجب وكما وعدت الحكومة ,وقد يعود هذا الوفر في بداية العام نتيجة لتأجيل صرف بعض المستحقات وعدم احتساب الفروقات في أسعار النفط والغاز ومخصصات الدعم للمواد التموينية والذي بالتالي سوف ينعكس عجزا في نهاية العام الحالي إذا استمرت الأمور كما هي,ومما يشير الشك أيضا حجم المديونية الكبيرة في أول شهرين من هذا العام التي تتجاوز النصف مليار دينار.
إن الأحداث والتقلبات العالمية والإقليمية قد ألقت بظلالها السلبية على الوضع الاقتصادي المحلي, ابتدأ من التفجيرات في خط الغاز المصري الذي يعد الشريان الأساسي لتوليد الكهرباء في الأردن,وانخفاض إيرادات قطاع السياحة ,وانخفاض التحويلات الخارجية من العاملين في الخارج, وارتفاع أسعار المحروقات عالميا.....الخ.
صندوق النقد الدولي وغيره من الهيئات المالية الدولية لن يقوم بعد الآن بتقديم القروض والمنح جزافا من أجل رفع رواتب الموظفين الحكوميين ودعم أسعار المحروقات والإنفاق على المجالات الأخرى التي تحظى بترحيب شعبي ,علما بأن تلك الهيئات الدولية لديهم تجارب سابقة في كيفية التصرف في بعض المنح والمساعدات في غير مجراها,فمن أجل تقديم المنح والتسهيلات للأردن, يجب على الحكومة الأردنية العمل الجاد على تخفيض المديونية وتقليص العجز في الموازنة العامة وتخفيض أعداد العاطلين عن العمل, وتقليص الإنفاق والمصاريف الجارية.ورفع الدعم عن المحروقات والكهرباء وإعادة توجيه الدعم للفئات الفقيرة المحتاجة, فالدراسات الحالية تشير إن غالبية الدعم المقدم من الحكومة تذهب للفئات الغنية على حساب الفئات الفقيرة.
كما يجب تفعيل دور القطاع الخاص الذي يعتبر العمود الفقري لاقتصاديات العديد من دول العالم بحيث يستوعب أعداد العاطلين عن العمل, كون القطاع العام فيه ما يكفيه من الترهل الإداري وهو غير قادر على استيعاب المزيد من العاطلين عن العمل, مع أن يتزامن ذلك مع تكييف مخرجات الجامعات المحلية والمعاهد المهنية مع احتياجات سوق العمل,والعمل على تحفيز البيئة الجاذبة الاستثمارات الداخلية والخارجية ذات القيمة المضافة .
يجب التحرك قدما لمعالجة الوضع الاقتصادي حتى لا تتأزم الأمور أكثر مما هي عليه, مع توقع وصول صافي الدين العام إلى 65.2% من الناتج القومي الإجمالي,وتوقع وصول العجز الإجمالي في الموازنة العامة إلى أكثر من 2 مليار دينار.
أن أماكن الخلل في السياسة الاقتصادية الحالية باتت معروفة وواضحة ,كما تتوافر الآليات اللازمة للتعامل مع الوضع الحالي وتصحيح خط سير الاقتصاد الأردني,ويجب التحلي بالشجاعة الكافية لمواجهة الوضع الحالي وعدم القفز بالمشاكل إلى الأمام حتى لا تتفاقم, والعمل على إيصال الثقة للمواطن حول تلك الإجراءات التصحيحية والتي في نهاية الأمر تصب في مصلحته أولا وأخيرا وكلما سارعت الحكومة بتوصيل تلك الرسالة إلى الشارع كلما ابتعد شبح الركود عن الاقتصاد الأردني.