"الاتفاق الدولية" جِسْر يعبر به أبناؤها سُلّم العالمية
هبة الكايد
جو 24 :
قلّما تجد شخصا يُبحر نحو الأفق وهو لا يملك سفينة أو مركبا! هذا ما حصل مع ابن الحادية عشرة من عمره حين قرر أن يخترع رافعة بناء عجيبة من "لا شيء بين يديه" يبدأ به لتنفيذ فكرته أمام مرئى من عينه؛ إلى أن مدت له أكاديمية الاتفاق الدولية يدها متعهدة بتبني تلك الفكرة وإخراجها إلى حيز الوجود.
الطالب في الصف السادس محمد الترك استطاع بجهده وعبقريته النافذة أن يقدم للعاملين في قطاع البناء رافعة صديقة للبيئة، رخيصة الثمن، يمكن توظيفها في مجال الإنشاءات وشركات نقل الأثاث وصولا إلى تطويرها لاستخدامها في مهام أكبر كرفع الحاويات والمعدات وسحب السيارات، فضلا عن إمكانية استغلالها في رفع الأنعام إلى الشاحنات أيضا نظرا لكلفتها البسيطة.
وعن فكرة المشروع أخبرنا الترك أنها تولدت لديه بحكم ما يراه في منطقته من حجم هائل للإنشاءات، متسائلا كل يوم عن إمكانية تصميم رافعة خشبية تستند على التروس والبكرات فقط لرفع كتل كبيرة بدلا من تلك الرافعات الضخمة الثقيلة.
وتابع الطالب، بدأت ببناء الرافعة وتصنيعها بمجموعة من البكرات والتروس المختلفة في الأقطار والأحجام وعدد من الخيوط ومصدر كهربائي يعمل بجهدين مختلفين لتشغيل محركي 12 فولت و24 فولت، إلى جانب بطارية لتخزين الطاقة تم تثبيتها مُجتمعةً على قاعدة وعمودين خشبيين لإسناد الحبل والكتل، منوها بأنه أضاف لها فيوزا للسلامة ومنع الحريق خلافا لمميزاتها الأخرى.
وقال في سؤال لفرضية عملها، أنه عندما تزيد التروس من عزم الدوران، وتقلل البكرات الجهد اللازام لرفع الأجسام والكتل مختلفة الأوزان تزيد الفائدة الميكانيكية لهذه العملية ويصبح من السهل بفضل بعض الإضافات البسيطة أن ننتج رافعة تعمل بمهنية عالية وفقا لتلك الأفكار المنفذة بأبسط الأدوات.
وأضاف الترك في معرض تعليقه على مدى تحويل المشروع إلى رافعة صديقة للبيئة بأن نظام تصميمه لها يسمح بتزويدها مستقبلا بخلايا شمسية تعتمد على طاقة الشمس ويمكن تخزينها في البطارية لاستخدامها عند مغيبها في فترات الليل المختلفة، ما يقلل العوامل المؤدية إلى تلوث البيئة الناتجة عن مصادر الطاقة غير المتجددة المختلفة على حد تعبيره.
ولا يمكن أن نغفل دور المدرسة في تبني الإبداعات ودعم الابتكارات التي من شأنها أن تحقق أهدافا تنموية عديدة للمجتمع في مختلف المجالات؛ ما أوجب أن يكون لنا وقفة مع مديرها العام الأستاذ عبد المجيد العبادي الذي حدثنا عن حرص إدارة المدرسة على تكثيف النشاطات اللامنهجية ليس في سياق المجالات العلمية فحسب بل في غيرها من المجالات الأدبية والفنية والرياضية، مشيرا في هذا الصدد إلى المراتب المتقدمة التي حققها الطلبة في كافة المسابقات التي نظمتها وزارة التربية والتعليم على مختلف المستويات.
وأوضح العبادي أن طلبة "الاتفاق الدولية" يختزلون الإمكانات والقدرات والمواهب التي تحتاج إلى من يكشف الستار عنها ويتبناها ويوظفها في خدمة المنهاج من جهة إلى حين التوسع بها وتطويرها لتلبية احتياجات السوق المحلي من جهة مماثلة؛ وبالتالي استثمار نتائجها في تنمية المجتمع وتطوير مقدراته ضمن إطارات ومجالات عديدة.
وفي مداخلة لمشرف العلوم في المدرسة الأستاذ موسى العمايرة قال أن المدرسة ومن باب دعمها للموهوبين المتميزين تقدمت بالمشروع لمسابقة علماء المستقبل التي تنظمها جمعية ابتكار لتنمية الإبداع بالتعاون مع الجامعة الأردنية، وكلهم أمل بأن يحقق المشروع مراتب متقدمة في المسابقة، منوها بسعي المدرسة الجاد إلى عقد البرامج التدريبية للطلبة المبدعين في مختلف المجالات التي يحتاجونها؛ سيما وأن الاستثمار في الإنسان يعد من أنجح الاستثمارات التي تنهض بها الأمم وتصعد من خلالها سلم العالمية.
المعلمة سمية عطية بحكم إشرافها على المشروع أشادت بجهد الطالب الذي لمست درجة تميزه دونا عن زملائه في أكثر من محفل، لافتة إلى أنه تم التحقق من صحة فرضية المشروع بتجريب عمله عدة مرات في مختبر الفيزياء باستخدام أثقال ذات كتل مختلفة، أسفرت كلها عن قيمة قوانين العزم الدوراني الفيزيائية في تحقيق الهدف المنشود من الرافعة الخشبية.
قيّمة المختبر في المدرسة المعلمة نازك الطراونة أشارت إلى أن التجربة والملاحظة لهما أهمية كبيرة في تنمية مدارك الطلبة وقدراتهم الإبداعية؛ ما يبرر حرص المدرسة على ضرورة وجود "المختبر" كمرفقا مهما من مرافقها ليتخذه الطالب بيتا ثانيا لترجمة النظريات والقوانين التي يتلقاها ضمن مناهجه المختلفة في الغرفة الصفية بشكل عملي؛ ما يعزز من سبل ترسيخها في أذهان الطلبة من جهة ويدفعهم لخوض غمار الاستكشاف وسَبْر أغوار العلوم على اختلاف أنماطها من جهة أخرى.
وكم جميل أن نقابل طفلا بعمر الياسمين يشغل هم الوطن حيزا في ذاكرته، بدلا من أن تأخذه أفكار أخرى في طريقه إلى المدرسة أو عودته منها كغيره من زملائه في هذا العمر الندي، بل والأجمل أن يخرج بفكرة تخدم البيئة فيهتم بها ويصر على تنفيذها معتنقا التحدي ليصل إلى مبتغاه فيصل بإرادته ودعم مدرسته، والعزم يملأ عيناه بتصميم وابتكار مشاريع أخرى ينهض بها الأردن على المدى البعيد في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة التي يشهدها العالم كله.