الاتفاق النووي الإيراني على الحافة
الدكتور اياد خازر المجالي
جو 24 :
في خطوة سابقة هدد النظام الايراني المجتمع الدولي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع الدول الخمس دائمة العضوية والمانيا, بعد ان ضيقت العديد من الشركات والبنوك التجارية العالمية تعاملاتها معه, رغم فك الحصار الاقتصادي والسياسي المنجز إثر مشروع الاتفاق التاريخي في 14/6/2015م حول برنامج ايران النووي, حيث صعد النظام الايراني خطابة السياسي لمواجهة الاستراتيجية الامريكية الجديدة في المنطقة, والتي اتبع تكتيكها الرئيس الامريكي دونالد ترامب عقب توليه سلطاته الدستورية عام 2016م, فقد جاءت ردود فعل النظام السياسي الحاكم في طهران بتصريحات عنيفة وحازمة بإطار التحرر من قيود وعقوبات المجتمع الدولي التي سبق وطبقت على حكومة وشعب ايران معاً, للحد من متابعة نظام الملالي الحاكم تطوير برنامجه النووي السلمي والعسكري القائم منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي, فهو ضمن الاستراتيجية الايرانية يُعد توان للقوى وينفذ عقيدة النظام و مشروعه التوسعي وتصدير الثورة للعالم.
في الاشهر القليلة الماضية تزايدت حدة الخلاف الامريكي وحلفائها من جهه وايران وداعيميها من دول الاتحاد الاوروبي من جهة ثانية, حيث تقاطعت المصالح وتناقضت في مشهد سياسي متوتر خوفا على مصالح الاوروبيين الضخمة فيها, خاصة بعد ان خرجت حشود من الجماهير الايرانية الى الشوارع للمطالبة بالاصلاحات الاقتصادية والتوقف عن الاجراءات القاسية التي اتخذتها حكومة روحاني نهاية العام الماضي, وسرعان ما تطور المشهد في ايران للمطالبة بإسقاط النظام الذي يخصص جزء كبير من دخله القومي لدعم نشاط قوات الحرس الثوري وميليشياته العسكرية الداخلية والخارجية ومؤسساته بسخاء, في الوقت الذي يعاني ابناء طبقات واسعة من الشعب الايراني تدني وتدهورفي المستوى المعيشي, ادى الى قمع النظام الحاكم في ايران المتظاهرين ومواجهة الحشود بالعنف والاعتقال حتى وصلت الوفيات الى ما يزيد عن 26 قتيل سقطوا خلال هذه المسيرات, تصدرت الولايات المتحدة المشهد بدعوة مجلس الامن لاتخاذ المزيد من الاجراءات الرادعه بحق النظام الايراني الذي يمارس سياسات قمعية تجاه ابناء الشعب الايراني ويهدد دول الجوار .
عودة الى تقاطع المصالح وتناقضها مع كافة الاطراف الدوليين فأن الولايات المتحدة الامريكية طالبت اعضاء مجلس الامن والمانيا بالعمل على الغاء الاتفاق النووي الايراني, وتحشيد الراي العام لفرض المزيد من العقوبات على النظام الايراني, وتحديد إطار زمني يلزم اطراف المجتمع الدولي لتحقيق اتفاق تكميلي او تعديل البنود المعيبة بنظر الامريكان في هذا الاتفاق, الا ان هذا التوجهه رافقه عدم قبول من دول الاتحاد الاوروبي المؤيد والداعم لمشروع الاتفاق النووي مع ايران, الذي يُعد انجازاً يستحق المحافظة علية وعدم المساس بة, مما يستوجب التناول بالتحليل في هذا الجانب ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب قد اعطى المجتمع الدولي والاتحاد الاوروبي فرصة اخيرة للتعامل مع المتغيرات المحتملة حول الاتفاق النووي الايراني ليوم 12/5/20918م, بحيث تتضح خيارات الرئيس ترامب باتجاه التصعيد والذهاب نحو العقوبات لتحجيم طهران من مواصلة تطوير برنامجها النووي, واتخاذ المزيد من الاجراءات الرادعه والانسحاب من هذا الاتفاق, رغم قناعة المجتمع الدولي بصلاحية الاتفاق وعدم توفر بدائل افضل ضمن الظروف السياسية القائمة في المنطقة, ونتيجة لدور ايران بإدارة الصراع القائم في دول المنطقة وسوريا بالتحديد, مما اربك توزانات القوى في الاقليم, لذلك بدأت استجابة الاتحاد الاوروبي لضغوط الامريكية والسعى للمارسة دور اكثر فاعلية بهذا الجانب لتخفيف حدة الصراع الامريكي الايراني حول الملف النووي, وتقويض سياسات ايران التوسعية التي تفاعلت بشكل كبير آبان ادارة الرئيس اوباما, والتأكيد على تنفيذ البنود الخاصة بتطوير ايران لبرنامج الصواريخ البالستية في قرار مجلس الامن رقم 2231 في 20/6/ 2015م الذي يُعد اضافة نوعية لمواقف المجتمع الدولي في كبح جماح النظام الايراني من التسلح والاخلال في توازن القوى في المنطقة.
وابرز السيناريوهات المحتملة لهذه الاتفاق والذي تظهر فيه اسرائيل الى جانب الولايات المتحدة بمواجهة الاتحاد الاوروبي والصين وروسيا اصحاب المصالح الجيوستراتيجية القائمة في ايران والمنطقة, حيث تمثل ايران لديهم ورقة ضغط على الولايات المتحدة لحماية هذه المصالح وعدم المساس بها, ولمواجهة سيناريو الانسحاب الامريكي من هذا الاتفاق فإن الاحتمالات تنحصر في تصريحات المسؤولين الايرانيين التي اعلنوا بها انهم سيقومون بتشغيل البرنامج النووي في المواقع الرئيسية في اراك وبوشهر واردو, وهذا الاخير يُعد من المواقع المحصنة جغرافيا وعسكريا لايمكن لاي قوة عسكرية ضربها او المساس بها كرد فعل عملي, بينما النظام الايراني بقي امامه لمواجهة الموقف الامريكي التظلم للمجتمع الدولي وكسب اكبر قدر ممكن من الدعم الدولي لموقفه من الاتفاق النووي واحداث الوقيعة بين الولايات المتحدة والشركاء الدوليين, والتأكيد على ان موقف الولايات المتحدة هو ضد السلام والامن الدولي وضد المساعي الدولية للاستقرار في المنطقة, وكلا الاحتمالين قائمين حاليا امام صانع القرار السياسي الايراني لمواجهة التعنت الامريكي الاسرائيلي ضد الاتفاق, خاصة وان التصادم الايراني الاسرائيلي بات على تماس مباشر في سوريا, والغارات الاسرائيلية قد استهدفت مؤخرا غارات جوية على مواقع قوات ايرانية قتل على اثرها اربعة عشر قائد عسكري في الحرس الثوري الايراني, برسالة لايران توضح حجم الامكانيات القتالية الضخمة التي توفرها الولايات المتحدة لاسرائيل, وعدم وجود توازن استراتيجي بينهما, كما ان الرد العسكري الايراني مهما كان فهو غير مجدي مقارنة بعنف الرد الامريكي الاسرائيلي ان وقع.
رغم ان الوقائع والاحداث تحمل في طياتها رياح الحرب والمواجهه, الا ان صانع القرار السياسي الامريكي يتفاعل مع التطورات والمتغيرات بعيدا عن تصريحات الرئيس ترامب الانفعالية, فرد الفعل الايراني جاء واضحا بالتصعيد من خلال الانسحاب من الاتفاق وفك الالتزام المبرم من طرفها بالقيود والشروط والالتزمات الدولية, والتهديد الذي جاء على لسان العميد سلامي نائب قائد قوات الحرس الثوري الجمعة الماضية والذي اعلن به ان القوات الايرانية ستمحو اسرائيل من الخريطة اذا تعرضت منشات ايرانية الى أي هجوم, وهذا وسيلة ضغط على الولايات المتحدة لتخفيف حدة موقفها من الاتفاق والسياسات الايرانية في المنطقة, بينما يظهر المجتمع الدولي بموقف المطالبة لإيجاد بديل جيد للاتفاق النووي قبل الغائة وانهيار تبعاته السياسية والاقتصادية السلبية, والمزمع اعلانه من قبل الرئيس ترامب بانسحاب الولايات المتحدة الامريكية منه في الثاني عشر من الشهر الجاري او اضافة ملحق تعالج بعض بنوده.